خطبة رمضان شهر التسامح


 جامع الخير بقلالي - البحرين

خطبة رمضان شهر التسامح

الشيخ صلاح الجودر


الحمدُ للهِ وفقَ من شاءَ من عباده لطاعتِه فكان سعيُهم مشكوراً، ثم أجزلَ لهم العطاءَ والمثوبةَ فكان جزاؤُهم موفوراً. أحمده سبحانَه وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفرُه، إنه كان حليماً غفوراً. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه، صلى وصامَ، واجتهدَ وقام، لعبادةِ ربِه حتى تفطرت قدماه، فكان عبداً شكوراً، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آلهِ الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه أهل التقى والدين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى واغتنموا مواسم الخير قبل فواتها، وحاسبوا أنفسكم عن زلاتها، واعلموا أن الفرص لا تدوم، وأن الأعمار محددة بأجل معلوم، سيحل عليكم شهر عظيم، وينزل بكم ضيف كريم، قال تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه) [البقرة: 185].

معاشر الإخوة: تُطوى الليالي والأيامُ، وتنصرمُ الشهورُ والأعوامُ، فمن الناسِ من قضى نحبَه ومنهم من ينتظر، وما أشبه الليلة بالبارحة، ففي العام الماضي استقبلنا شهر الله المعظم، شهر رمضان الكريم، ثم ودعناه ليكون شاهداً لنا أو علينا، وما هي إلا فترة من الزمن وإذ بنا نستقبله مرة أخرى، فيا باغي الخير أقبل.

أيها الأحبة: لو تأملنا فيمن كان معنا في رمضان الماضي لوجدنا أن البعض منهم قد أصبح تحت التراب، وربما البعض منا يكون هذا الشهر آخرَ رمضانٍ يصومه ويقومه، فلو استشعر كل فردٍ منا هذا الأمر فصام وقام رمضان كما ينبغي لنال سعادة الدنيا والآخرة، فرُغم أنفِ امرئٍ أدرك رمضان ولم يُغفر له.

عباد الله، إن المسلم الواعي لمسئولياته إذا علم وهو يقوم بهذه العبادة أنها الأخيرةُ في حياته، فإن هذا الشعورَ سيدفعُه إلى ضرورةِ اغتنامِ الفرصة، لذا فإن أصحاب النبي وآل بيته لما سمعوا الخطبة المحمدية التي ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، قالوا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع!!، وكذا حينما وقف(ص) بعرفة قائلاً: "لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا"، فعرفوا بأنها حجة الوداع، وفي إرشادِه للمسـيءِ في صلاته قال: (إذا قمتَ في صلاتِك فصلِ صلاة مودع)، نعم عباد الله، إن عبادة المودع تختلف عن عبادةِ الآخرين، وتأملوا في حالِ رجلٍ يعيشُ أيامه الأخيرة كيف سيكونُ صيامُه وصلاتُه ودعائُه، عن النبي: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل).

عباد الله، غداً إنشاء الله غرةَ شهر رمضان المبارك أعاده الله علينا وعليكم بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، هلالُ خير ورشد، ربي وربك الله، يحلُ شهر رمضان علينا ضيفاً عزيزاً، فيه تتنزلُ الملائكةُ والروحُ، وترى البركةُ والخير، وتضاعفُ الأجورُ وتكثرُ الحسنات، وتفتحُ أبوابُ الجنة، وتغلقُ أبوابُ النار، وتصفدُ الشياطين، فكيف بك وأنت بهذا الضيف العزيز الذي سيمكث (أياماً معدودات)، لنجعل صيامنا صيام المودعين، وقيامنا قيام المودعين، وأعمالنا أعمال المودعين، لنجدد العهد مع الله، ولنخرج من دائرة العادة إلى روح العبادة:

أولاً: إخلاص النية وتحقيق معنى الصوم، فنحن نصوم رمضان في كل عامٍ، فليكن صيامنا وقيامنا لهذا العام إيماناً واحتساباً، لقوله: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).

ثانياً: تحقيق التقوى، فصيامنا لشهر رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام، فليكن صيامنا هذا العام من أجل تحقيق التقوى التي ابتدأ بها المولى آيات الصوم فقال: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) [البقرة:183] وأختتم بها الآيات: (كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون)[البقرة:187].

ثالثاً: نقرأ ونختم القرآن في كل رمضان، فلتكن قراءتنا هذا العام قراءة تدبر وتأمل، لنقف عند آيات توحيد الربوبية والإلوهية والأسماء والصفات، لنقف عند أوامر الله ونواهيه.

رابعاً: نحرص كل عام في رمضان على عدم تضيع صلاة الجماعة، فليكن حرصنا هذا العام الصلاة خلف الإمام حتى ينصرف، فإنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة.

خامساً: نتوسع على أهلينا بالخيرات مع بداية كل عام، فلنتوسع هذا العام بالتوسع إلى أقربائنا وجيراننا والمحتاجين من الفقراء، خاصة أولئك المتعففين، فنصيبهم بأطايب الدنيا من الأغذية.

عباد الله، من أحكام الصيام، تبيت النية من الليل لقوله: (من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)، وكذا تأخير السحور وتعجيل الإفطار لقول النبي قال:(تسحروا فإن في السحور بركة)، وإذا أصبح الصائم وهو جنب من الليل فليغتسل وليتم صومه فلا شيء عليه، ومن أكل أو شرب ناسياً فليتم صومه فإنما أطعمه الله وساقاه.

أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الحمدُ للهِ جعلَ الصيامَ جُنةً، وسبباً موصلاً إلى الجنةِ، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد إلا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واشكروه على بلوغ شهر رمضان، وأسالوه التوفيق والإعانة على اغتنام أوقاته بالطاعة (اللهم أعنا على ذكر وشكرك وحسن عبادتك).

عباد الله، شهر رمضان مع إنه شهر عبادة وطاعة، إلا أنه كذلك مناسبة جميلة لتعزيز التواصل بين أفراد المجتمع الواحد، باختلاف مذاهبهم وطوائفهم وأفكارهم، لذا تكثر الزيارات ويحلو التواصل بين أفراد المجتمع تحت مظلة التسامح والتعايش، وكم هو جميل حينما تفتح مجالس الذكر وقراءة القرآن والدعاء، والمباح من الأحاديث.

عباد الله، عاشت أمتكم أكثر من أربعة عشـر قرناً من الزمان وهي تنشر ثقافة التسامح والتعايش مع شعوب العالم بمختلف ثقافاتهم وحضاراتهم وأديانهم، وقد أظهر الإسلام صور التسامح مع المختلفين في قوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يخزنون) [المائدة: 69]، لقد وطد الإسلام قلوب أتباعه على التسامح والتعايش، فقد أستقبل النبي (ص) وفد نصارى الحبشة وأكرمهم بنفسه، واستقبل وفد نصارى نجران وسمح لهم بالصلاة في مسجده، وقبل هدية المقوقس عظيم مصر وهي الجارية التي أنجبت إبراهيم، فكيف بنا ونحن أبناء أمة واحدة، دينها واحد، وربها واحد، ونبيها واحد.

أيها الإخوة، أكثروا من الزيارات فيما بينكم، فمجتمعكم في حاجة ماسة لمثل هذا التواصل، فإن الزيارات تزيل ما في الصدور، وتنشر الحب والود والمعروف، وتكسـر حواجز التعصب والانزواء، وتتصدى للتحزب والتفرقة التي حذر منها المولى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء) [الأنعام:159]. أشيعوا بزيارتكم التسامح والمعروف بينكم، وأبدوا الآخرين بالتهنئة بقدوم شهر رمضان حتى ولو بالرسائل النصية القصيرة، وصلوا أرحامكم، وتحلوا بالصبر كما قال: (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم).

أيها الأحبةُ: هذه ومضاتٌ على أبوابِ هذا الشهرِ العظيمِ فهلا عقِدنا العزمَ على أن يكونَ هذا الشهر بدايةُ عهدٍ جديدٍ عنوانه (قلوب مؤمنة). اللهم بارك لنا في رجب وشعبان ولغنا رمضان، وأعنا على صيامه وقيامه، واجعلنا من عتقاء النيران.

فاجتهدوا رحمكم اللهُ واعرفوا لشهركم فضله، وأملوا وابشروا.


جامع الخير - البحرين

21-8-2009

إرسال تعليق

0 تعليقات