خطبة التسامح والتعايش


زيارة كنيسة سانت كريستوفر بالعاصمة البحرين 2024

خطبة التسامح والتعايش في البحرين

الشيخ صلاح الجودر


الحمد لله رب العالمين، أمرنا باليسر والسماحة، ونهانا عن الغلظة والفظاظة، نحمده سبحانه ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، وهو الغفور الرحيم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

عباد الله، إن التسامح عند المسلمين من صفاتهم العظيمة، وأخلاقهم الحميدة، فهو منهج رباني قد جاء في القرآن الكريم، فقال تعالى في صفات المؤمنين: (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) [الشورى: 37]، وقال: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [الشورى: 40]، قال ابن كثير: (وقد كانت سماحة الإسلام وعفوه ويسره من أعظم أسباب انتشاره، فتميزت حضارته بذلك عن باقي الحضارات بما اتسمت به من معان وقيم).

أيها الإخوة المؤمنون: إن أمة الإسلام بتاريخها الطويل وحضارتها الشاهدة في الكثير من الدول لتؤكد على أنها ترتبط في تعاملها مع المسلمين وسائر البشر بعدة روابط إنسانية مثل الوسطية والإعتدال والتسامح والسلام، رافضة لكل مفاهيم الحقد والكراهية والعنصرية والتميز والعنف والإرهاب، بل وترفق بالحيوان والنبات، لأنها تحمل رسالة السلام والخلافة في الأرض.

عباد الله، من يتأمل في واقع الحال للكثير من الدول العربية اليوم يرى بأنها في أمس الحاجة إلى التسامح والحوار، خاصة وأنها خلال السنوات الماضية قد عاشت مرحلة التعصب والإنغلاق التي غذت نار الحقد والكراهية، والسقوط في وحل الإحتراب والصراعات مما أدى إلى تدمير كل ما هو جميل بالمنطقة، علماً بأن الله دعانا جميعاً للتعايش والتسامح والتعارف، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13].

أيها الإخوة، لقد دعا الإسلام لتعزيز العلاقة مع سائر البشر على أساس التسامح، فلا يمكن أن تكون هناك علاقة بين مسلم ومسلم، أو مسلم وغير مسلم إن لم يكن هناك مبدأ قائما على التسامح، لذا تعزز العلاقة بين المسلمين بعضهم بعضاً من خلال التسامح المرتبط بالتآخي والتأزر والتواد والمحبة، أو مع غيرهم بما تقتضيه الأحوال وظروف المخالطة معهم، لذا قال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ) [هود: 118-119].

عباد الله، إن الإختلاف بين الناس سنة من سنن الله تعالى، سواءً بين الملسمين أنفسهم، أو بين المسلمين وغيرهم من البشر، وستبقى تلك الإختلافات حتى قيام الساعة، ولا يمكن لفئة أن تنتصر على أخرى وتبقى متسيدة العالم، لذا فإن الحكم فيها والتعامل معها لا يكون بإلغاء الآخر أو تهميشه، بل يكون بتعزيز قيم التسامح والتعايش والسلام والعمل المشترك، وقبول التعدد والتنوع والاختلاف.

أيها الإخوة، وأبرز تلك الصور هو فتح باب الحوار المباشر والنقاش الصريح حتى لا يكون البديل الاحتراب والصراع وتأجيج الفتن، لابد أن يكون هناك حواراً يدعو لنشر الخير والمصلحة العامة والتعايش السلمي بين سائر الناس، وأعلموا - عباد الله - أن التعايش والتسامح في الإسلام له سجل حافل وكبير، فالمسلمون في بلادهم إستطاعوا ان يستوعبوا كل أتباع الديانات والمذاهب والثقافات، وكذلك إستطاعوا أن يتعايشوا مع غيرهم في بلدانهم، فيمارسون شعائرهم وعباداتهم بكل حرية حتى أثمروا علماء ومفكرين وأدباء في بلاد الغرب!.

عباد الله، لابد من تعزيز التعايش والتسامح في هذا الوطن بين مختلف مكوناته، والواجب على القيادات الدينية والسياسية والاجتماعية من القيام بدورها الريادي في هذا الإتجاه، فالمسئولية عليهم لتهيئة الأرضية وتربية الناشئة للحوار ونشر ثقافة التسامح، مستلهمين ذلك كله من كتاب ربهم وسنة نبيهم محمد والإرث الحضاري والتاريخي لأمة الإسلام وسجل وطنهم البحرين!.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..

عباد الله، إن الدعوة للتعايش والتسامح والحوار والسلام ليس تنازلاً عن القيم والمسلمات، ولا هو تفريط في القواعد والثوابت، ولكنها دعوة لحفظ العنصر البشري مهما كان دينه أو مذهبه أو عرقه، فالمطلوب هو حفظ كرامة الإنسان، وحفظ حقوقه، ورفع الظلم عنه، وأعلموا - عباد الله - أن البحرين من أوائل الدول دعت للتعايش والتسامح، وقد قدم عاهل البلاد المفدى الكثير من المبادرات الإنسانية التي تدعو لتعزيز تلك القيم والمبادئ لما فيها من خير للبشرية جمعاء بدل العنف والإرهاب والتخريب والدمار.

ألا فاتقوا الله رحمكم الله، وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر، وتواصوا بالمرحمة.


جامع الخير - البحرين

23-2-2018

إرسال تعليق

0 تعليقات