خطبة التسامح في سيرة النبي


كتاب الرحيق المختوم

خطبة التسامح في سيرة النبي

الشيخ صلاح الجودر


أما بعد: فأوصيكم -عباد الله - ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي أربح المكاسب، وأجزل المواهب، وأسمى المناقب، بها تُنال أعلى المراتب، وتتحقق أعظم المطالب، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إَن تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ) [الأنفال: 29].

عباد الله، لقد بعث الله نبيه محمدsalla-icon على حين فترة من الرسل، فهدى به الناس إلى أقوم الطرق وأوضح السبل، فكان دعوة أبيه إبراهيم عليه السلام:http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifرَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَـٰتِكَ وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif[البقرة: 129]، وكان بشرى أخيه عيسى عليه السلام:http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifيٰبَنِى إِسْرٰءيلَ إِنّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشّراً بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى ٱسْمُهُ أَحْمَدُhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الصف: 6]، فكان النعمة العظمى والمنحة الكبرى التي تفضل الله بها على أهل الأرض.

أيها الإخوة المؤمنون، لقد ولد salla-icon بمكة المكرمة في عام الفيل في شهر ربيع الأول، وبعثه الله برسالته على رأس الأربعين من عمره، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، قال تعالى:http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناًhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [المائدة: 3].

عباد الله، لقد أنعم الله على نبيه محمدsalla-icon بأفضل الأخلاق، وقد جاء عنهsalla-icon:(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) [أحمد]، وجاء مدحه في القرآن الكريم، قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيم) [القلم: 4]، وإن من أبرز صفات الأخلاق التسامح، فحياتهsalla-icon كلها تسامح، سواءً في مكة أو المدينة، فحينما زاد ظلم واضطهاد المشركين له وطلب منه أصحابه أن يدعو عليهم، قال: (إني لم أبعث لعانًّا وإنما بعثت رحمة) [مسلم]، فليس من أخلاق المسلم الحق اللعن أو السب.

أيها الإخوة، وعندما هاجرsalla-icon إلى الطائف ودعا أهلها إلى الإسلام، رفضوا وطردوه وضربوه حتى سال دمه الشريف، فجاءه جبريل عليه السلام قائلاً: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي salla-icon: (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا) [البخاري]، صفحات نبوية مشرقة في التسامح.

عباد الله، لقد كان التسامح منهج رسول الله salla-icon في القضايا كلها حتى مع أعداء الأمة، فقد عفى عن أبن أبي سلول مراراً، وزاره وهو في مرضه، وصلى عليه لما مات ونزل قبره وألبسه قميصه، في صورة تسامحية راقية، ولما فتح مكة قال لقريش: (ما تظنون أني فاعل بكم) قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال( اذهبوا فأنتم الطلقاء)، إنه الرحمة المسداة، ملئت تسامحاً وعفواً وصفحا، ولعلكم تذكرون ذلك الرجل اليهودي الذي يضع القمامة في طريق رسول اللهsalla-icon، وحين خرج يوماً ولم يجد القمامة في طريق سأل عن ذلك الرجل فيقل له أنه مريض، فذهب إليه وعاده في مرضه.

أيها الإخوة، إن كلمة التسامح كلمة جميلة في العبارة والمعنى، ولكن تطبيقها صعب، فهي تحتاج إلى تدريب من الفرد ليمتلكها، فالأجر والمثوبة لما فيها من عفو وصفح وتجاوز عن الأخطاء، فإذا ما غضب الفرد فعليه أن لا يهدر طاقته في الغضب والضيق والحزن، ولكن عليه بالتسامح.

عباد الله، لقد واجه رسول اللهsalla-icon في سبيل نشر دعوته ثلاثة أصناف من الناس، المستكبرون الذين يعلمون الحق ويجحدونه، والحاسدون الذين يموتون غيضاً من دعوته، والجهال الضالون وهم التابعون لكل ناعق، فكانوا يسعون لتشويه دعوة النبي التسامحية، والصد عن سبيل الله، قال تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifيُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الصف: 8]، فقابلهم النبي salla-icon بالتسامح. أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله على إحسانه، والشّكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، أما بعد..

عباد الله، في مثل هذه الشهر تمر ذكرى المولد النبوي الشريف، وهي ذكرى لعموم المسلمين بأن هذا النبيsalla-icon إنما جاء لتوحيد الله، ونبذ الشرك، وإتمام مكارم الأخلاق، فهو نبي المسلمين عموماً، فمولده فجراً، ومبعثه فتحاً، هدى الله به الناس من الضلالة، وعلم به من الجهالة، وأرشد به من الغواية، فالناس قبل مولده ومبعثه كانوا في جاهلية جهلاء، يعبدون الأصنام، ويدعون غير الله، فكان مولده ومبعثه النور الذي عم البشرية، قال تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifقُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [آل عمران: 21].

إلا فاتقوا الله عباد الله وراجعوا دينكم واستمسكوا بهدي نبيكم محمد.


جامع الخير - البحرين

9-12-2016

إرسال تعليق

0 تعليقات