خطبة التسامح والأخلاق

خطبة التسامح والأخلاق

الشيخ صلاح الجودر


فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ)[البقرة: 282]، بالعلم يصحُّ العمل، وبالعمل تُنالُ الحكمة، وبالحكمةِ يقومُ الزُّهد، وبالزُّهد تُعرفُ الدنيا، ومن عرفَ الدنيا رغِبَ في الآخرة، ومن رغِبَ في الآخرة نالَ المنزلة، والتوفيقُ خيرُ قائدٍ، ومن رضِيَ بقضاء الله لم يُسخِطه أحد، ومن قنِع بعطاء مولاه لم يدخُله حسَد، ومن فُتِح له بابُ خيرٍ فليُسرِع إليه؛ فإنه لا يدري متى يُغلَقُ دونَه، (فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون) [المائدة: 48].

عباد الله، إن معايير الأخلاق وآداب التعامل مع الناس هي مقاييس الألتزام بدين الإسلام، وهي قواعد وآداب تحكم العلاقة بين الناس بإختلاف فئاتهم وتلاوينهم وأطيافهم، قواعد وآداب تبعث الشعور على المحبة والتسامح والتعايش وحسن العلاقة وكريم المعشر، فدماثة الأخلاق وحسن الخُلق هي اللغة المشتركة بين الناس، لغة يفهمها كل واحد، الوجه الصبوح والإبتسامة الجميلة وحسن البشر جميعها وسائل تكسب الناس، بل وذو المروءة الحكيم يملك الناس بأفعاله قبل أقواله.

أيها الإخوة المؤمنون، في ديننا الحنيف:(أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا) [أحمد وأبو داود والترمذي]، وجاء كذلك من حديث أبي هريرة عن رسول اللهhttp://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif (إنكم لن تسَعُوا الناسَ بأموالكم، وليسَعْهُ منكم بسطُ الوجهِ وحُسن الخُلُق) [الترمذي والحاكم]، والناس معادن ومنازل وفئات وطبقات وثقافات، ومعاملتهم معاملة واحدة لا تستقيم، فالعقول متفاوتة والطباع متغايرة والأفعام متباينة، ولله في خلقِهِ شُؤون، لذا فإن التعامل مع الناس يتفاوت بتفاوتهم، لذا كان التوجيه الإلهي لرسول اللهhttp://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين) [آل عمران: 159].

عباد الله، لنقف عند حياة رسول اللهhttp://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif في التعامل مع الناس، وأولهم معاملته مع اهله وآل بيته، فيقول: (خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلِي) [الترمذي وابن ماجه]، أما الأطفالُ والصِّبيانُ فإنه يتعامل معهم بالرفق والإحسان، فيحملُ بنت بنته في الصلاة، فإذا ركع وضعها، وإذا قام رفعها[متفق عليه]، والحسن بن علي يركب على ظهره الشريفة وهو في الصلاة، فيُطيلُ السجود حتى يقضي الطفلُ لعبه [أحمد والنسائي]، وصعد الحسن المنبر ذات يوم والنبيhttp://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif يخطب في الناس، فضمَّه النبيُّ ومسحَ رأسَه وقال: (ابنِي هذا سيدٌ، ولعلَّ اللهَ أن يُصلِحَ على يديه بين فئتين عظيمتين من المسلمين) [أبوداود]. أما التعامُل مع الخَدَم والعُمَّال فيقول أنس: (خدمتُ رسولَ الله عشرَ سنين، فما قال لي لشيءٍ فعلتُه لِمَ فعلتَه، ولا لشيءٍ لم أفعله لم لم تفعله)، وقد أرشد رسول اللهhttp://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif إلى التعامل الحسن بين الناس، فقال: (رحِمَ اللهُ عبدًا سمحًا إذا باعَ، سمحًا إذا اشترى، سمحًا إذا قضى، سمحًا إذا اقتضى) [البخاري].

عباد الله، لقد كان نبيكم محمد http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gifسمحاً مع كل الناس حتى غير المسلمين، فقد كانت العهود والمواثيق المعاهدات أكبر شاهد على المجادلة بالحسنى والتسامح والعفو والصفح، فقال وهو يدخل مكة المكرمة: (من دخلَ دارَ أبي سُفيان فهو آمِن، ومن أغلقَ عليه بابَه فهو آمِن، ومن ألقى السلاحَ فهو آمِن)، وقال لقريشٍ يوم الفتح: (ما تقولون أني فاعلٌ بكم؟). فقالوا: أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريم، فقال: (أقولُ كما قال أخي يوسف: (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين) [يوسف: 92]، اذهبُوا فأنتمُ الطُّلَقاء)، وحين قيل له أدعو على المشركين، قال:(إني لم أُبعَث لعَّانًا، وإنما بُعِثت رحمةً) [مسلم].

أيها الإخوة، إن سبيل العيش بين الناس رغم اختلاف ألوانهم وأجناسهم وألسنتهم هو الإصلاح والتسامح والرفق والعفو والإحسان، والأنفس كلما تحررت من طغيانها وتعصبها كانت أقدر على التعامل مع الناس وبناء العلاقات الطيبة معهم، والأمة اليوم في أمس الحاجة إلى الوحدة والإتحاد والعمل الجماعي، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بنشر ثقافة التسامح بين الناس، فالتسامح قوة وليست ضعفاً، وكرم ونبل لا خسة ومكرا، وليعلم الجميع بأن التسامح أقوى من الحقد والكراهية والانتقام، وأثر التسامح أكبر من التعصب، من أجل هذا جاءت تعاليم ديينا الإسلامي الحنيف لترسي قواعد المجتمع القوي في معاملاته وعلاقاته مع سائر المجتمعات والدول.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


جامع الخير - البحرين

12-8-2016

إرسال تعليق

0 تعليقات