التسامح في الحضارات


التسامح في الحضارات

مئات القتلى وآلاف الجوعى والمشردين بسبب الربيع العربي

بقلم: صلاح الجــودر


المتأمل في أوضاع المنطقة العربية بعد أحداث عام 2011م يرى أنها تعيش حالة من الصراع الداخلي والإحتراب الأهلي حول الشرعية، صدام وتخريب وتدمير لم يسبق له مثيل في تاريخ الشعوب، فتاريخ المنطقة لم يسجل حالة واحدة من تدمير الذات، فإذا بأبناء المنطقة يقدمون خدماتهم الجليلة من خلال تدمير الممتلكات العامة والخاصة بدعوى السلمية وحقوق الإنسان!!.

ولمن شاء فيتأمل في العراق وسوريا ولبنان والسودان واليمن وماذا فعل فيها ما يعرف بالربيع العربي -إن صح العبير-، مئات القتلى وآلاف الجوعى والمشردين، منازل دمرت وبيوت أحرقت، ومساجد وكنائس ومعابد إنتهكت حرماتها بإسم الدين، والدين منها براء، حتى أصبح عنوان القرن (قرن الإرهاب)، الأمر الذي يدعو أتباع الديانات السماوية إلى وقفة صادقة مع الذات لإيقاف آلة الحرب، خاصة وأن هناك إتهامات لها بأن سببذلك في خطبها وآراءها وفتاويها التي تصدرها من مؤسساتها الدينية.

إن أنجع الوسائل لمواجهة مشروع تغير هوية المنطقة هو الحوار المباشر والصريح بين أتباع الحضارات، فالحوار أداة تواصل بين أطراف، وهذا هو طريق النضج الذي سلكه الأنبياء وأتباعهم، فيتم إحترام الديانات والثقافات، ولا يتطاول على نبي أو رسول، يجب أن ينزع فتيل الصدام والاحتراب إبتداءً من المنابر والمؤسسات الدينية، وإشاعة ثقافة التسامح والتعايش والتعارف والحوار.

فالحضارات البشرية لا تبلغ أوجها ولا تظهر سمو أهدافها إلا حين يتحلى رجال الدين فيها بثقافة التسامح والتعايش، فيتصدرون المشهد بوعي مجتمعي يدعو لتلك الثقافة من خلال خطبهم، فهذا المسلك تواطأت عليه كل الشرائع السماوية، الإسلام والنصرانية واليهودية، وتنزلت لأجله الكتب السماوية، القرآن والإنجيل والتوراة والزبور وصحف إبراهيم وصحف موسى، ونادى بها جميع الأنبياء والرسل، لذا جاء في محكم التنزيل: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) [الحجرات:13].

المنطقة العربية اليوم بحاجة إلى إشاعة ثقافة التسامح والتعايش، فما ينثر في مواقع التواصل الإجتماعي والأجهزة الرقمية من سموم وأدواء كفيل فإشعال الحروب والصراعات، لذا لا سبيل إلا بالحوار مع المختلفين، والحقيقة أن العزلة والانزواء تزيد في الفجوة، فكم هو جميل أن تستند المؤتمرات على قوله تعالى: (لا نفرق بين احد من رسله) [البقرة: 285]، فالأنبياء جاءوا من مشكاة واحدة لتصحيح عقائد الناس وإتمام مكارم الأخلاق.

يثار تساؤل كبير اليوم في المجالس والمنتديات عن أسباب تبني المسلمين لمؤتمرات الحضارات!!، والحقيقة أن بعض المسلمين قد أساءوا لأنفسهم حين تبنوا ثقافة الإرهاب والعنف والكراهية، وهي ثقافة دخيلة على المسلمين وليس الإسلام، فالإسلام بريء من تلك الأعمال، من هنا تأتي أهمية تنظيم مثل تلك المؤامرات في هذه المنطقة من العالم، فالشعوب الواعية هي التي تدعو وتستضيف وتنظم، فقد تم تشويه صورة المنطقة بسبب الإعمال الإرهابية والعنفية والتدميرية التي تشاهد في قطع الطرق وحرق الإطارات وتعطيل مصالح الناس، لذا يجب كشف اللبس وإزالة اللثام عن تلك الأعمال.

المتابع لتطورات الأحداث بالمنطقة يرى وبشكل جلي تراجع مساحة التسامح بين الناس، وأشدها قسوة حين تم إطلاق مشروع الشرق الأوسط الجديد، فقد دفعت شعوب المنطقة ضريبة عالية في الأحداث الأخيرة، خاصة حينما تم دين الجمعيات والقوى السياسية، وتحولت من مشروعها القومي إلى مشروع المذهب والطائفة، فمشروع الربيع العربي هو بلا شك مشروع القوى الدينية المؤدلجة، لذا سارعت لإحتضانه والترويج لبرنامجه، ففي الوقت الذي كانت فيه القوى السياسية ترفع شعار مدنية الدولة كانت في ذات الوقت تتحدث بلسان الطائفة والمذهب!.

إن الدولة المدنية لا تستقيم إلا بإشاعى ثقافة التسامح بين الأديان والتعايش بين المذاهب، في هذا الوطن(البحرين) نمتلك مقومات التسامح والتعايش، فهناك الكثير من أتباع الديانات السماوية والثقافة الإنسانية يعيشون على هذه الأرض، وتكفي زيارة صغيرة إلى العاصمة المنامة أو المحرق لرؤية التجانس الجميل بين أتباع الديانات والمذاهب والثقافات، وليس هناك مجتمع بالخليج يمتلك مثل تلك المقومات.

لقد علمتنا التجارب على أن تطرف القوى الدينية يؤدي بطبيعة الحال إلى الصدام، خاصة حين تتم هيمنت ثقافة الدين المؤدلج، وهي إلغاء الآخر المختلف، ولرفع اللبس يجب التأكيد على أن الحوار لا يعني الإستسلام والتنازل، ولكنه يعني إحترام الاخر في فكره، من هنا فإن المسئولية تدعو العالم إلى معرفة الإسلام الحقيقي القائم على ثقافة التسامح والتعايش، فما يجري في بعض المناطق من صراعات إنما هو بعيد عن الإسلام ورسالته السماوية!.    

صحيفة الأيام البحرينية

 


إرسال تعليق

0 تعليقات