خطبة التسامح أساس العلاقات الإنسانية

 

خطبة التسامح أساس العلاقات الإنسانية

الشيخ صلاح الجودر

أمّا بعد: فأوصيكم -أيّها النّاس-ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فاتّقوا الله رحمكم الله، فلباس التقوى جُنة يتحصن بها المتحصِنون، وخشيةُ الله عروةٌ وثقى يتمسك بها المتمسِكون، وأداءُ الفرائض واجتناب المحرمات وسيلةٌ مثلى يتوسل بها المتوسلون، قال تعالى: (وأن تعفوا أقربُ للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إنَ اللهَ بما تعملونَ بصيرٌ) [البقرة: 237].

عباد الله، إن حب الخير للناس، واحترامهم وتقديرهم، واللين في التعامل معهم، ومقابلتهم بالإحسان، ورؤية فضلهم وعطائهم، والصفح عن أخطائهم وزلاتهم، جميعها علامات التسامح، والقيم الإنسانية الراقية، والمبادئ الإسلامية الفاضلة، قال الله تعالى لنبينا محمد : (فاصفح الصفح الجميل) [الحجر:85]، ومن معاني التسامح العفو والإصلاح (فمن عفا وأصلح فأجره على الله).

أيها الإخوة المؤمنون، ومن صور التسامح التي يجب أن تسود المجتمع هو ما يكون بين الزوجين من تعامل على أسس من التسامح والتغاضي عن الزلات، وإقالة العثرات، والمودة والمحبة والألفة، واللين والرحمة، (وجعل بينكم مودة ورحمة) [الروم: 21] حتى تصفو الحياة الزوجية، ويسعد أفراد الأسرة، ويكون الأبوان قدوة لأولادهم في التسامح وحسن التعامل، والعفو عن أخطاء بعضهم بعضا، فينجحوا ويسعدوا في حياتهم، ويكونوا متحابين مترابطين فيما بينهم متآلفين، فالتسامح يكون لهم رفيقا، والمحبة إلى الجنة طريقا، قال رسول الله  لأحد أصحابه: (أتحب الجنة؟)، قال: نعم. قال: (فأحب لأخيك ما تحب لنفسك).

عباد الله، ومن صور التسامح بالمجتمع ما يكون بين الناس من معاملات، من بيع وشراء، وتجارة وقضاء، قال النبي: (رحم الله عبداً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا اقتضى)، فمن أحب أن تناله بركة دعوة النبي فليكن سمحاً في شئونه كلها، قال بعض الحكماء: أحسن إن أحببت أن يحسن الله إليك.

ومن صور التسامح -عباد الله-وأكثرها رواجاً وانتشاراً هو تقدير الناس جميعاً وحبهم واحترامهم، واللين لهم، قال تعالى لرسوله الكريم : (فبما رحمة من الله لنت لهم)، فلما اشتكى رسول الله  لربه عناد قومه قائلا: (يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون)، أمره الله تعالى بالصفح عنهم، (فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون) [الزخرف: 89].

أيها الإخوة، لقد عامل الإسلام الناس بالسواسية، فلم يفرق بين عربي ولا اعجمي إلا بالتقوى، وقد قرر مبدأ (لا إكراه في الدين)، ووضع لنا سيرة النبي  مثالاً وقدوة، وكيف يكون التعامل الإنساني القائم على التسامح واحترام حقوق الآخرين، فقد حرص النبي  على توطيد العلاقات بين المسلمين وبين غيرهم من سكان المدينة المنورة على أساسٍ من التسامح، فكانت وثيقة المدينة خير دليلٍ على ذلك، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين للهِ شهداءَ بالقسطِ ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) [المائدة: 8].

عباد الله، إن التسامح قيمةٌ عظيمةٌ، تؤلفُ بين الناس، وتقربُ بين الشعوب، فيتعاونوا ويتعارفوا، وذلك مطلبٌ شرعيٌ، قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) [الحجرات: 13]، فالتسامح المجتمعي يغرس المحبة في النفوس، ويحول الخصومة إلى مودة، والعداوة إلى محبة، والبحرين منذ القدم بلد التسامح ، فتاريخها الضارب في التاريخ منذ آلاف السنين يؤكد على هذه الصفة الإنسانية، فهي موئلُ كل البشر وحاضنةُ كل القيم الإنساني النبيلة، تسامح وتعايش وسلام ومحبة وأمن واستقرار، وقد كفلت القوانين والتشريعات للجميع الاحترام والتقدير وعدم التمييز، وهذا تأكيد على قيم الإسلام الحنيف والعادات العربية الأصيلة.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد..

عباد الله، يحتفل العالم في السادس عشر من نوفمبر من كل عام بيوم التسامح الدولي، وما أشد حاجتنا اليوم للتذكير بالتسامح وأهميته، فالعالم اليوم يشهد خطابات الحقد والكراهية، ودعوات العنف والإرهاب والإجرام، مما يدفع إلى مزيد من القتل وإسالة الدماء البشرية، والانزلاق إلى مزيد من والحروب والصراعات، لذا تأتي أهمية التذكير بهذه القيمة الإنسانية، ودعوة أولياء الأمور والفعاليات المجتمعية لتعزيز هذه القيمة من خلال إقامة الفعاليات والأنشطة التي تؤكد على تمسكنا جميعاً بالتسامح والتعايش.

فاتقوا الله عباد، واحسنوا فإن الله مع المحسنين.

جامع الخير - البحرين

15-11-2019