خطبة الجمعة: مسئولية الآباء في زواج أبنائهم


خطبة الجمعة: مسئولية الآباء في زواج أبنائهم 

أما بعد: فاتقوا الله - أيها المسلمون – (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) [النساء: 1].

عبادَ الله: أمرٌ شرعه الله تعالى، ويسـره، وجعل إتمامه حرباً على دعاةِ التهتكِ والتفسخِ والانحراف، وردعا لكلِ من أراد سوءاً بأخلاقِ المجتمعِ، واقتضت حكمةُ ربنا جل وعلا بقاءَ النسلَ البشـري، وحِفظ النوعَ الإنساني من أجلِ إعمارِ الكونِ، وإصلاحِ الأرضِ، وإقامةِ شـرعِ الله، والقيامُ بشؤونِ الحياةِ، فَشـرع بحكمتِه ما يُنظمُ العلاقةَ بين الجنسين، الذكر والأنثى، فسن الزواجَ بأحكامِه وآدابِه، علاقةً شرعيةً تدعو إليها الفطرةُ السليمة، وتنظمها أحكامُ الشرعِ القويم.

بالزواجُ المشـروعُ يتحققُ العفافِ والحَصَان، الذي يضمنُ وفاق العلاقاتِ وأمن البيوتات، فالنسلُ الصالحُ والجيلُ الخيرُ لا يُنبتُ ولا يتربى إلا في أحضانِ زوجيةٍ شرعيةٍ صحيحة، بين أبوةٍ كادحةٍ، وأمومةٍ حانيةٍ، فالعزُ والفخارُ للدينِ والأسرةِ والمجتمعِ (واذكروا إذ كنتم قليلً فكثركم) [الأعراف:86].

عبادَ الله: إن نعيمَ الحياةِ ومتعتَها لا تكونُ إلا في بيتٍ سعيدٍ، وسعادةَ البيتِ لا يُحققها إلا دينٌ صحيحٌ، وخلقٌ سمحٌ، وأدبٌ رفيعٌ، ينضمُ إلى ذلك صفاءُ الودِ والمعروف، والحفظِ المتبادلِ بين القرينينِ في الحضورِ والغَيبة، بيتٌ سعيدٌ ظاهرهُ الحشمةُ والمهابةُ، وباطنُه العفافُ والصيانةُ، الزواجُ السعيدُ ينشـرُ السعادةَ بين الأقاربِ والأصهارِ والآلِ والأرحامِ، وشائجُ القربى وعلائقُ المصاهرة. لهذه المصالح ولغيرها كان للزواجِ الأهميةِ العظمى في الكتابِ والسنةِ، فيجب على المسلمين أن يهتموا بشأنِه، ويسهلوا طريقِه، ويتعاونوا على تحقيقِه، ويمنعوا من يريد تعويقُه أو تأخيرُه.

أيها الأخوة المؤمنون: إذا كانت تلك حِكمُ الزواجِ وأسرارِه، وتلك منافعه وآثارُه فما بالنا نرى مجتمعاتنا الإسلاميةَ تشكو العنوسةَ وتأخرُ سنِ الزواجِ في الفتيانِ والفتيات، تتقدمُ بهم السنونُ، وتزداد أمامهم العراقيلُ، وتتفاقم في وجوههِم المشكلات. إن تضييقَ فرصِ الزواجِ على الشبابِ والشاباتِ علةُ خرابِ الديار، به يُقتلُ العفافُ، وتُوأدُ الفضيلةُ، وينتشـرُ الفسادُ، إنها سوءاتٌ وخبائثُ لا تظهرُ إلا إذا افتُعلت الحواجزُ، وتنوعت العوائقُ أمام الراغبينَ من البناتِ والبنين.

أيها الأحبةُ: يسوءنا ونحن نرى في مجتمعنا نساءً كبرن أو تجاوزن سن الزواجِ دون زواج، وأخرياتٌ مطلقاتٌ وأراملُ دون عائل، لا شك أن ذلك مأساةٌ كبيرة، وخطرٌ عظيم، يواجها العالم أجمع، لكنها غريبةٌ على مجتمعاتنا التي تعيشُ تعاليماَ شرعية، وأحكامًا إسلامية، وعاداتٌ وتقاليدٌ سامية.

أيها المسلمون: إن أخطر ما يتهددُ الزواجُ ويواجههُ من تحدياتٍ في عصـرنا الحالي يتمثلُ في دعواتٍ مشبوهة، من جهاتٍ شتى ومنابرَ كثيرة إلى علاقاتٍ محرمةٍ خاليةٍ من الضوابطِ الشـرعيةِ لتحل بالتدريجِ محل الزواجِ الشـرعي بوصفِه صمامُ الأمانِ لأمنِ المجتمع.

أيها الآباءُ: إن من معوقاتِ الزواجِ، المصاريفَ الباهظةَ والمظاهرَ الزائفةَ، إذا انحدرَ الناسُ في المقاييسِ الماديةِ وحكموها في علاقاتِهم فقد فسدَ الزمانُ وتعطلَ أمرُ الشـرع، لقد اشتطَ الناسُ في النفقاتِ، وسرتَ بينهم في الحطامِ المنافساتِ، قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: (لا تغلوا في صُدقِ النساءِ، فإنها لو كانت مكرمةٌ في الدنيا أو تقوى في الآخرةِ كان أولاكم بها النبيُ صلى الله عليه وسلم ما أصدق عليه الصلاة والسلام امرأةً من نسائِه، ولا أُصْدقت امرأةً من بناتِه أكثر من اثنتا عشـرةَ أوقية. [رواه الخمسة وصححه الترمذي].

أيها الأخوةُ المؤمنون: حقٌ على أصحابِ القدوةِ من الوجهاءِ والعلماءِ والأغنياءِ، أن ينشـروا في الناسِ خلق القناعةِ بما يسـرَ الله، إن الاغتباطَ والسعادةَ والتوفيقَ لا يكونُ إلا بالدينِ وحسنِ الخلقِ، يجبُ أن يكونَالتوجيه في اختيارِ الفتى المهذبِ والفتاةِ المهذبةِ، من أجلِ أن تستجلبَ راحةُ الضميرِ والإعانةُ على نوائبِ الحياةِ، الصلاحِ والتقى والعفةِ والأمانةِ.

عباد الله: إن منعَ الزواجِ وتأخيرِه، يسببُ عاراً وخزياً يهددُ المجتمع، ولنُقلبَ النظرَ في المجتمعاتِ من حولنا حينما عطل الزواج، أو قللت الاهتمامَ به كيف انتشـر فيها فسادُ الأخلاقِ وانتهاكِ الأعراضِ، وضياعِ الشبابِ والشاباتِ، وتفككِ الأسرِ وفسادِ التربيةِ وخواءَ البيوتِ من الزوجاتِ الصالحاتِ، وكثرةِ العوانسِ، وازدياد العازفين عن الزواج، فالسعيدُ من وُعِظَ بغيرِه والشقي من لم تنفعُه المواعظ.

أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله وساهموا في بناءِ مجتمعكم بناءً صحيحاً، عبر تشجيعِ الزواجِ ودعمه، وتخفيفِ عبئِه وتكاليفِه، وإن على الأبِ أن يبحث لابنتِه عن الرجلِ الصالحِ.

أيها الإخوةُ المؤمنون: من السنن الحميدة، والمشاريع التكافلية الجميلة بهذا المجتمع، هي مشاريع الزواج الجماعي التي تقيمها الجمعيات الخيرية، ففيها التعاون والتكافل ومساعدة الشباب على إتمام نصف دينهم، فالشكر والتقدير للمتبرعين والمساهمين والقائمين على هذه المشاريع المجتمعية الرائدة، ونرجو أن تستمر أياديهم البيضاء لما فيه خير أبناء المجتمع.

فاتقوا الله - رحمكم الله - وخذوا بأيدي أبنائِكم، وأصلحوا ذاتَ بينِكم، وأطيعوا اللهَ ورسولَه إن كنتم مؤمنين.

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات