الملتقى الدولي العربي الهندي

 


الملتقى الدولي العربي الهندي الأول (الفترة: 7 - 9 يناير 2025)

التعايش السلمي الإقليمي (العرب والهنود علاقات قديمة)

تنظيم رابطة الجامعات الإسلامية بجمهورية مصر العربية بالتعاون مع جامعة دار الهدى الإسلامية، بمقر وجامعة كاليكوت الحكومية - كيرلا - الجمهورية الهندية

 

قواسم المشتركة بين القارة الهندية والدول العربية كثيرة ومتعددة، وقد تفاعل وتأثر بها الجانبين عقوداً طويلة لقربهما من بعض، وتقاطع مصالحهما، وتعاونهما لما فيه من مصالح مشتركة، وقد تعززت علاقاتهما وتنوعت في شتى المجالات حين تفهم كلا منهما ثقافة الآخر، وتجاوب معها إيجاباً، لذا تميزت العلاقة بين الجانبين عبر تاريخها بالترابط والانسجام والتعاون والعمل المشترك.

والهند اليوم تعتبر من الدول المتقدمة بالكثير من المجالات، السياسية والاقتصادية والعلمية والعسكري، لذا فإنه من الأهمية تعزيز العلاقات القديمة التي وضع اسسها الأوائل من الجانبين، خاصة وانه ليس بين الجانبين من توترات تاريخية، أو ماض استعماري، أو اطماع حدودية، أو خلافات على المياه أو الاراضي أو غيرها.

والهند ودول الخليج العربية تحديداً ذات علاقات تاريخية متميزة، قائمة على الاحترام والتقدير، والتعاون في مجالات التجارة والاقتصاد والتعليم والأمن والتكنولوجيا، وهناك في الجانب الإنساني مصاهرة وقربى، وعماله هندية بالخليج، وثقافة الاكل والمطبخ والأذواق بحكم البارات الهندية التي عرفت طريقها الى الدول الخليجية ثم دول العالم.

وهذا البحث استند بشكل كبير إلى دراسات الباحث البحريني الدكتور عبدالله المدني، مثل كتاب (معالم الدور الهندي في الخليج العربي في النصف الأول من القرن العشرين، علاقات الرعيل الأول مع الهند)، وبحث الأستاذ يوسف صلاح الدين والدكتور وسام السبع (النخبة التجارية البحرينية في الهند).

 

علاقات قديمة

تعتبر جمهورية الهند ذات العلاقة الكبيرة مع الكثير من الدول العربية، وفي مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي (الإمارات والبحرين والسعودية وقطر وعمان والكويت) لقربهم منها، فهناك القرب الجغرافي عبر مضيق هرمز إلى مياه الخليج العربي حيث آبار النفط والغاز، وهناك العلاقات التاريخية والثقافية الضاربة في عمق التاريخ حتى أصبحت العلاقات الخليجية الهندية ذات خصوصية، وقد شهدت العلاقات تطوراً كبيراً عبر التاريخ، خصوصاً أنه لم توجد حالة من العداء بين الطرفين، وهذه العلاقة يمكن البناء عليها للمصالح المشتركة.

تاريخ العلاقات بين دول الخليج والهند يعود إلى الألف الثالثة قبل الميلاد حين نشأت العلاقات التجارية بين حضارة السند والهند وحضارة الرافدين القديمتين في الخليج، وسبب تلك العلاقة هو الموقع الجغرافي لدول الخليج العربية حيث ربطت بين حضارتين، وبين الثلاث القارات القديمة (آسيا وأوروبا وأفريقيا)، وكانت بعض دول الخليج في وفرة المياه العذبة مما أعطاها ميزة في توقف السفن التجارية على شواطئها للتزود بالمياه مثل مملكة دلمون (مملكة البحرين) ومملكة ماجان (سلطنة عمان)، فيتم التزود بالماء والطعام، وأخذ قسط من الراحة، فظلت تلك العلاقة سنين عديدة حتى ازدهرت التجارة بين الطرفين، وتعلم على إثرها أبناء دول الخليج أساليب التجارة المباشرة مع الهنود، والاستيراد والتصدير، فكانت تجارة اللؤلؤ والذهب والنحاس والفضة والأصداف الكريمة والملابس والمنسوجات والتمور والخيول تعرف طريقها إلى الأسواق الهندية، وحسب بحث هندي فإن هناك اثنتين وأربعين سلعة على الأقل يتم فيها التبادل التجاري في تلك الفترات القديمة.

وفي حفريات قديمة بجزيرة أم النار (أبوظبي) تم اكتشاف خناجر برونزية من حضارة وادي الإندوس الهندي، وفي رأس الخيمة تم العثور بأحد المدافن الأثرية على أوان فخارية وحجرية من عصر (Harappa) بوادي الإندوس، بالإضافة إلى أحجار للوزن من المدن الواقعة على ضفاف نهر السند ما بين عامي 2300 - 1800 قبل الميلاد.

 

علاقات ما قبل الإسلام

والعلاقة بين بلاد العرب والهند قديمة جداً، فهي تعود لما قبل الإسلام بوقت طويل، وقد جاءت في الشعر الجاهلي الذي يعتبر أحد أهم المصادر التاريخية، فعرف العرب الهند، وأعجبوا ببضائعها من توابل وحرير وأحجار كريمة وبخور وطيب ومعادن، وأشادوا بذكاء أهلها وعلمهم وحكمتهم وطيب معشرهم، وبلغ أعجابهم بالهند بأن أطلقوا على بناتهم اسم (هند)، ونسبوا سيوفهم إليه بأن قالوا (المهند)، وبعد ظهور الإسلام بالقرن السابع الميلادي وانتشار الدعوة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية تعززت تلك العلاقة وتطورت، وازدهرت التجارة بين الهند والعرب من بوابة الخليج العربي وبحر العرب مروراً بالمحيط الهندي، فزادت حركة التجارة بين الهند والدول العربية.

 

الحدود المفتوحة بين الثقافتين

لقد ازدهرت الحركة الثقافية بين الطرفين (العرب والهند) في بداية حكم الخليفة الأموي هارون الرشيد وأبنه المأمون، الذين عرفا بانفتاحهما على الحضارات الأخرى للاستفادة من حضاراتهما، فتواصلا مع الشعب الهندي دون حساسية، وقاموا بترجمة علومهم واسهاماتهم العملية والفكرية، والبناء عليها حتى عرف عهدهما بالعصر الذهبي في العلاقات الهندية العربية، فتم ترجمة الكثير من العلوم الهندية إلى العربية، الأدب والفلسفة والرياضيات والفلك وأمراض النساء والأدوية وغيرها، كما حمل الكثير من الرحالة العرب والمؤرخين السفر للهند، وتسجيل موروثهم وعاداتهم وتعاملاتهم، وأوضاعهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وسافر الكثير من العرب إلى القارة الهندية للتجارة والدراسة والعمل وطلب الرزق، وقد نزل الكثير من المهاجرين العرب على سواحل الهند الجنوبية، فاستقروا بها وتعايشوا واختلطوا بأهلها، وتزوجوا منها وأنجبوا.

 وبالجانب الآخر تفاعل الهنود مع الثقافة العربية، وبدأت الأيادي العاملة الهندية بالدخول إلى الدول الخليجية، ومن ثم التوجه إلى العراق وسوريا ولبنان، فعملوا في القطاعات العسكرية والأمنية وعلى ظهور السفن البحرية، ولدى المؤسسات التجارية، ومن أبرز تلك المناطق ولاية (كيرلا) والمعروفة باسم (موبلاس)، فعاش فيها الكثير من الناس ممن تعود أصولهم إلى بلاد العرب مثل اليمن وعمان والبحرين الذين وصلوا إلى سواحل (مليبار)، ولربما هذا ما يفسر بأن الكثير من أبناء ساحل (مليبار) هم من الهنود الذين علموا في دول الخليج.

 

العلاقة بين الهند ودول الخليج

لقد برزت علاقة الهند بالعرب بشكل كبير نهاية القرن الخامس عشر في فترة تواجد القوات البريطانية، وذلك بعد خروج القوات البرتغالية التي تعاملت مع أبناء المنطقة بشيء من القسوة والغلظة، فكانت حكومة الهند البريطانية ذات علاقات جيدة مع دول الخليج العربية، وهو الأمر الذي عزز العلاقات بشكل كبير مع الهند، وذلك من خلال شركة الهند الشرقية (1600 - 1858) ثم حكومة الهند البريطانية (1858 – 1947)، فظهرت مجموعة من المدن الهندية التجارية مثل مدراس وكولكاتا وبومبي (مومبي)، والأخيرة اكتسبت مكانة كبيرة مع منتصف القرن العشرين الماضي، وقد جاء في كتاب روز ماري زحلان [1937–2006، مسيحية فلسطينية أمريكية مختصة بدراسات دول الخليج العربي، وهي شقيقة أدورد سعيد، كتبت روزماري لفاينشيال تايمز، مجلة الشرق الأوسط، المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط وموسوعة الإسلام، ودرست الموسيقى في كلية برين ماور للمرأة بولاية بنسلفانيا حيث تعلمتها، لكنها لم تمارس المهنة نتيجة لحادث سيارة أدى إلى إصابة يديها وكسر عدة فقرات في ظهرها. درست روزماري لفترة من الوقت في القاهرة ثم ذهبت إلى بيروت، وبعد بيروت ذهبت إلى لندن وحصلت على شهادة الدكتوراه حول طريق البحر الأحمر إلى الهند في القرن التاسع عشر، جورج بالدوين]، والموسوم نشوء الدول الحديثة في الخليج: (كان الخليج يُدار من قبل حكومة الهند البريطانية، وصارت القرارات المصيرية بشأنه تُتخذ في كلكتا أو بومباي، وتنفذ عبر وكلاء إنجليز مقيمين في  مسقط والشارقة وبوشهر والبحرين والكويت، وأصبح جهازه الإداري تحت سيطرة موظفين مختارين من جهاز الخدمة المدنية في الهند، وصارت العملات المتداولة فيه محصورة في الروبية الهندية، والطوابع المستخدمة فيه لأغراض البريد هي الطوابع الهندية مختومة فوقها عبارة البحرين أو مسقط أو الكويت أو قطر، واللهجات المستخدمة على سواحله مطعمة بالكثير من المفردات والعبارات ذات الأصول الهندية)، وقد أثر ذلك في الثقافة العربية التي أصبحت ذات علاقة بالثقافة الهندية، وظهر ذلك جلياً في مفاصل الحياة العربية، وأصبحت البصمة الهندية واضحة في شئون الحياة بدول الخليج، فكانت الصناعة الهندية متواجدة وبكثرة بالأسواق الخليجية، وبالمقابل استوعبت الأسواق الهندية محصول اللؤلؤ القادم من مياه الخليج العربي الذي كان مصدر الدخل الرئيسي لدول المنطقة قبل اكتشاف النفط بالعام 1932 ابتداءً من البحرين.

 

التجار الهنود والعرب

لعب التجار الهنود دوراً كبيراً في مساعدة تجار الخليج لإقامة أسواقهم، فكانت العلاقة شراكة وتعاون وإقراض، فشهدت أسواق الخليج التجارية انتعاشاً كبيراً بسبب تلك العلاقة، وبالمقابل أصبحت أسواق الهند سوقاً لعموم تجار الخليج، وخاصة تجار اللؤلؤ والخيل والتمور، فكان التجار الهنود يقيمون في الخليج أو يترددون عليها بحثاً عن صفقات اللؤلؤ والخيل والتي تقوم بدورها لنقله إلى الأسواق الأوروبية عبر الهند، وكانت الصفقات التجارية بالعملة الهندية (الروبية) حتى نهاية الستينيات من القرن الماضي حين تم إصدار العملات العربية بدول الخليج.

في بدايات القرن العشرين كان تجار الخليج ذو ميول إصلاحية لما تمتلكه الهند من علوم ومعارف، فمع انشغالهم بالتجارة إلا أنهم توجهوا إلى العلم والمعرفة والثقافة، فأقاموا علاقات اجتماعية مع النخب الهندية المثقفة، ودشنوا الكثير من المشاريع الخيرية، واستقبلوا الفعاليات العربية المؤثرة الذين نزلوا في مومبي (بومباي) مثل الشيخ رشيد محمد رضا صاحب مجلة المنار، وحافظ وهبة مستشار الملك عبدالعزيز آل سعود، والزعيم التاريخي عبدالعزيز الثعالبي، وقد سطرها مفيد الزيدي [باحث متخصص في التاريخ العربي الحديث والمعاصر، تاريخ الخليج العربي تحديداً، درس مفيد الزيدي في جامعات القاهرة والموصل وبغداد. وعمل أستاذاً للتاريخ في جامعة الموصل وأستاذاً محاضراً في جامعة بغداد. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات العلمية الجامعية وغير الجامعية. والزيدي عضو مشارك في منتدى الفكر العربي، ومركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، واتحاد المؤرخين العرب] في اطروحته للدكتوراه: (كانت هذه الأفكار والحوارات تُنقل من التجار والقادمين من بومباي إلى الشباب في منطقة الخليج في قضايا الإصلاح وتغيير الواقع المتخلف، وتشجيع السكان على طلب العلم ونبذ الجهل، وتغيير الحياة التقليدية)، وقد كان تأثير العلاقة بين الهند والدول العربية بالخليج مثل البحرين والكويت والإمارات (دبي والشارقة) أن تم تأسيس مجموعة من الأندية الأدبية والثقافية، وقد أسس تاجر اللؤلؤ السعودي (الحجازي) الشيخ محمد علي زينل مجموعة من المدارس تحت مسمى (مدرسة الفلاح)، فقد أنشأ تلك المدارس من ماله الخاص في بومبي والبحرين وجدة ودبي، واستمرت تلك المدارس سنين طويلة، وقد استفادت منهم أوطانهم العربية في الكثير من الوظائف التي تعتبر حديثة.

وفي البحرين تم افتتاح نادي إقبال أوال (1913) والنادي الأدبي (1920) والمنتدى الإسلامي (1928)، ثم ظهرت الصحف المحلية بالحروف العربية كصحيفة البحرين (1939) على يد الأديب عبدالله الزايد، وحين بدأت بريطانيا انطلاقا من الهند مطلع القرن العشرين بوضع مجموعة من القوانين التنظيمية والإدارية في الخليج تحديداً من البحرين وذلك لعدة اعتبارات، ومنها موقعها وسط الخليج العربي، ووجود المصالح البريطانية فيها، وسهولة تقبل المجتمع البحريني لتلك الإصلاحات، فتم تأسيس دائرة: الجمارك، البريد، البلدية، المصارف، الشرطة، القضاء، الصحة، التجارة، وهي قريباً مما هو معمول به في الهند، وقد تم الاعتماد على العمالة الهندية بشكل كبير، سواقين وخياطين وحلاقين وعمالة منزلية وغيرهم، وهو الأمر الذي دفع بالتجار الهنود للعمل في الخليج من خلال بيوتات تجارية خاصة بهم، وأصبحت الأسواق الخليجية تستقبل البضائع التقليدية الهندية.

وبالهند ظهرت المطابع العربية بشكل كبير، ومن أبرزها (دائرة المعارف في حيدر آباد) والتي تم تأسيسها بالعام 1888، وكان لها الفضل في إحياء الكتب الدينية والعلمية، وقد قامت تلك الدائرة بطباعة كتب الحديث والرجال والتاريخ والعلوم والرياضيات والحكمة، مما ساهم في تعزيز التواصل بين الهند والعرب.

 

الأكل العربي والهندي

لقد تأثر المطبخ الخليجي البسيط بالمطبخ الهندي المتنوع والثري في أطباقه ومكوناته، مثل أكلة البرياني والدال والمصالة والسمبوسة والجباتي، وهي أكلات أشتهرت بدول الخليج للبهارات الهندية الحارة، وقد أقبل عليها أبناء الدول الخليجية ونقلوها إلى مجتمعاتهم، فتم فتح المطاعم التي تقدم الأطباق الهندية الشهية، وتأثرت بعض المجتمعات الخليجية باللباس الهندي والمجوهرات والتطريز، واستخدام الألوان مثل الحناء والنقوش، وللرجال كانت الملابس الهندية حاضرة في بعضها مثل ثوب (الململ) والصديري والإزار، وتعززت العلاقات العربية الهندية من خلال الفنون المختلفة مثل الموسيقى والغناء والألحان.

 

العاصمة التجارية بومباي

كانت بومباي (مومبي) وجهة أبناء الخليج، خاصة منطقة (كولابا) وذلك لوجود الأسواق الشوارع العربية، ولامتلاكها استديوهات التسجيل ومعامل نسخ الأسطوانات (القار) القديمة، وظهرت الأفلام الهندية ذات الأولوان الجميلة والأغاني والرقص، والتي من خلالها تعرف المجتمع الخليجي العربي على الثقافة الهندية، فهي حالة تنافسية مع الأفلام الأمريكية والعربية، فقد كانت الهند قبلة أبناء الخليج، البحرين والكويت وقطر والإمارات والسعودية وعمان، وكانت الهند تستقبلهم بكل حفاوة وترحيب، وتفتح أسواقها لهم، وهم بالمقابل لا يبخلون على الهند في تعزيز مكانتها، فيتم بناء المساجد والجوامع والمدارس والمعاهد ودور الضيافة ودور الأيتام، ولا يزال شارع (محمد على رود) شاهداً على تلك الحقبة الجميلة.

 

مفردات هندية في الخليج

لعمق العلاقة بين الهند ودول الخليج تم استخدام الكثير من المفردات والمصطلحات الهندية بالمجتمعات الخليجية، ولذلك لكثرة الاحتكاك والتواصل في فترة السيطرة البريطانية، فتم استخدام المفردات الهندية في التعامل اليومي بالأسواق، مثل أسواق اللؤلؤ والذهب والأقمشة والأخشاب.

ورغم أهمية الموضوع إلا أن الدراسات اللغوية العربية وعلاقتها باللغة الهندية المتخصصة قليلة جداً، لذا فإن ذلك يحتاج إلى مزيد من البحث والتقصي، ويعد الدكتور عبدالله المدني الباحث المتخصص في الشؤون الآسيوية السياسية غير اللغوية من الباحثين الذين اجتهدوا في رصد العلاقة بين اللهجتين، وذلك من خلال دراسته السياسية التاريخية الاجتماعية بعنوان (معالم الدور الهندي في الخليج العربي في النصف الأول من القرن العشرين)، وقد استخدمت الشعوب الخليجية المفردات الانجليزية من خلال ألسن الهنود في الدول الخليجية، فتم تعريب الكثير من المفردات الإنجليزية مثل كلمة (العنبلوس) وتعني الإسعاف، و(الدختر) وتعني الدكتور وغيرها.

 

العلاقات الهندية البحرينية

العلاقات البحرينية الهندية قديمة ومتجذرة، وتعززت وبشكل كبير في العام 1971 بعد استقلال البحرين، وانضمامها إلى هيئة الأمم المتحدة، وحين بدء التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، فهي ترتكز على روابط تاريخية متينة، وتعاون استراتيجي بين البلدين، مما أثمر عن تقدم وتطور مشهود في العلاقات، ويعد التعاون التجارية والاقتصادي أحد صور التعاون، إذ يوفر مناخ التعاون فرصاً للمستثمرين في البحرين والهند على حد سواء.

وقد استوطن الكثير من تجار البحرين في الهند وذلك لمصالحهم التجارية، فكانت لهم في الكثير من المدن الهندية مؤسساتهم ومكاتبهم التجارية، وبيوتهم ومجالسهم ومدارسهم العلمية، ومراكزهم الأدبية والثقافية، وكذلك العوائل التجارية الهندية حين قدمت إلى البحرين استقرت بها، ومع بداية ظهور النفط بالبحرين بالعام 1932 زاد الطلب على العمالة الهندية المؤهلة لسوق العمل، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 توسع قطاع الاقتصاد بالبحرين مما دفع الكثير من الهنود إلى القدوم للبحرين بحثاً عن فرصة العمل، فاستقبلتهم المستشفيات والصيدليات والمدارس الخاصة، وشركات المحاسبة والتدقيق، وأيدي عاملة بالمنازل بمختلف الوظائف.

وعلى المستوى التعليمي فقد تم تأسيس مجموعة من المدارس الخاصة الهندية، وكانت أول مدرسة هندية قد تم تأسيسها بالعام 1950، وتبعتها الكثير من المدارس الهندية بالبحرين، مثل مدرسة النور العالمية، المدرسة الآسيوية، مدرسة ابن الهيثم الإسلامية، مدرسة الأفق الجديد، مدرسة الألفية الجديدة، المدرسة الهندية.

وعلى المستوى الثقافي والرياضي فهناك عدد 32 مؤسسة ثقافية ورياضية هندية مسجلة بالبحرين، وأقدم وأكبر نادي اجتماعي هندي هو (النادي الهندي) وقد تم تأسيسه بالعام 1915 باسم نادي البحرين للرياضات، والذي يضم أكثر من 4000 عضو هندي، وبالعام 1947 تم تأسيس جمعية كيرالييا ساماجام.


صور التعايش السلمي بالبحرين

إن ثقافة التعايش السلمي هي الأرضية التي يمكن قبولها لدى البشر رغم اختلافاتهم العقائدية والفكرية والثقافية، ويمكن معرفة مستوى التعايش السلمي من خلال ملامح التعايش التي ترى في مفاصل المجتمع، ومنها: الاعتقاد بحرية الدين للآخرين (لكم دينكم ولي دين)، فالتعايش يفرض الاعتراف بالأديان والشرائع الدينية دون ازدراء، فيحترم الأنبياء والملائكة والكتب والرسل، ويحترم الثقافات الإنسانية الأخرى ومعتقداتها وممارساتها، فيفسح لأتباع الأديان الأخرى المجال لممارسة عباداتهم وفق القانون وتحت مظلة الدولة، بالمقابل رفض الاعتداء على الآخر في معتقده وضرورياته الخمس، الدين والنفس والعقل والنسل والمال، فتلك تنافي التمسك بالأخوة الإنسانية. لذا يثار تساؤل كبير عن أهمية الدعوة للتعايش، ولماذا الآن تحديداً؟، في السابق كانت المجتمعات البشرية منفصلة عن بعضها، فلا حاجة لها للحديث عن التعايش السلمي، أما اليوم فالعالم بعد الثورة المعلوماتية قد أصبح منفتحاً على بعض، فقد أصبح العالم قرية صغيرة، لذا تحتاج تلك المجتمعات للعمل والتعاون، والاستفادة من الخبرات الدولية لتعزيز الأمن والاستقرار.

والبحرين استطاعت في الأعوام الماضية من تعزيز جانب التعايش السلمي، فقد حققت الكثير منذ العام 2017 حين تم تدشين إعلان مملكة البحرين في التعايش والتسامح، ورافقها تدشين مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي، وجائزة الملك حمد للتعايش السلمي، وكرسي الحوار والتعايش السلمي، والمبادرات والبرامج التي هيئة الأرضية للتعايش. لذا نستحضر في البحرين كلمة جلالة ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة في هذا الجانب: (إن جوهر التعايش في مملكة البحرين هو احتفاظ كل منا بدينه وهويته وخصوصياته كاملاً من غير نقصان، على أساس من الثقة والاحترام المتبادل بين الجميع، ومنبثقاً من رغبة أهالي البحرين في التعاون لخير الإنسانية، وتعميق التفاهم بين أهلا الأديان والمذاهب، وإشاعة القيم الإنسانية، وإقامة جسور التقارب الإنساني والحضاري والثقافي، كما نص على ذلك الميثاق الوطني والدستور بعد توافق وطني مرت عليه عقود من الزمان)، فعلى أرضية هذه الكلمات السامية تبنى المجتمعات بأسس من الاحترام والتقدير.

التمييز الذي حظيت به البحرين يعود إلى تنوعها الديني والثقافي، ومستوى الحرية الدينية التي يتمتع بها الجميع في ظل الدولة والقانون، لذا من الأهمية الاستفادة من ذلك بتعزيز التعايش، فالبحرين الجزيرة تحتوي على مكون إنساني جميل، فمع وجود المسلمين نرى كذلك المسيحيين واليهود والهندوس والسيخ والبهائي والبوذا وغيرهم، ولكل فئة مكانها الخاص لممارسة عباداته، مساجد ومآتم وكنائس ومعابد، بالإضافة إلى المقابر التي خصصت لكل طائفة.

 

التوصيات:

*تعزيز العلاقات العربية الهندية: يجب تعزيز التعاون الوثيق بين العرب والهند، وعلى مختلف المسارات والمستويات، والاستفادة من التجارب والخبرات، فضلاً عن التكاتف بين الجانبين من أجل مستقبل أفضل قائم على التعاون والتنمية المستدامة.

 *نشر ثقافة التعايش السلمي: من أجل تعزيز الأمن والاستقرار بالمجتمعات ينبغي نشر ثقافة التعايش السلمي، فقد أدرت البشرية بأن الحروب لا تخلف إلا الخراب والدمار، لذا من الأهمية تبني ثقافة التعايش السلمي.

*رفض خطابات الكراهية:

يجب رفض العنف والكراهية ابتداءً، رفضها جملة وتفصيلاً.

 

الخاتمة:

ختاماً نتقدم بالشكر والتقدير للقائمين على هذا المؤتمر لما لمسناه منهم خلال فترة الإعداد للمؤتمر من استقبال وحفاوة وتكريم، وهذه الأيام التي نعيشها في ربوع جمهورية الهند، فكل الشكر والتقدير. سدد الله الخطى وبارك في الجهود، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

المراجع:

الدكتور عبدالله المدني: أستاذ العلاقات الدولية المتخصص بالشأن الآسيوي/كاتب صحفي/روائي/مهتم بالتأريخ الاجتماعي والموسيقى والسينما والتصوير والطوابع والمقتنيات القديمة واللغات.

الأستاذ يوسف صلاح الدين: رجل الأعمال، كاتب ومؤرخ.

الدكتور وسام السبع: باحث في شؤون التراث والتاريخ الإسلامي.


اعداد وتقديم/ الشيخ صلاح بن يوسف الجودر
عضو مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي - مملكة البحرين


إرسال تعليق

0 تعليقات