استقبال رمضان ومقاصد الصيام


 خطبة استقبال شهر رمضان 1446

28 فبراير 2025

أما بعد: فيا عِبادَ الله، إن خير ما يتمسك به العبد المسلم، ويظهر به إيمانه بربه هو تقوى المولى تبارك وتعالى، فاتقوا الله - رحمكم الله - في السر والعلن، وأصلحوا من أنفسكم ما ظهر وما بطَن.

أيها المسلمون، تستقبل أمتكم شهر عظيم، وضيف كريم، بالخيرات قد جاء، وبالفضائل قد أقبل، وبالبركات قد أطل، غمر الكون بنوره، وعمر القلوب بنفحاته، حيث قلوب المسلمين تنتظره بشوق ولهفة، ونفوس المؤمنين تتزين له بخضوع وسكينه، أيامه مليئة بالطاعات، ولياليه تُحيى بقراءة القرآن والدعوات، موسم خير ورحمة وبركات، قال تعالى: (شهرُ رمضان الذي أنزل فيه القرآنُ هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) [البقرة: 185].

عباد الله، الصوم علاقة العبد بربه السـرية، لا يطلع ولا يعلم بها أحد سوى الله، لذا الأجر والثواب من عند الله تعالى، فعلى المسلم العاقل البالغ المقيم الصحيح أن يترك المباحات إيماناً بالله واحتسابا للأجر، من طعام وشراب، من طلوع الفجر الثاني إلى غروبِ الشمس، قال تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبينَ لكم الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسود من الفجرِ ثم أتموا الصيام إلى الليلِ) [البقرة: 187]. وجاء عن نبيكم محمد(ص) قوله: (إنما الأعمال بالنيات) [البخاري ومسلم]، فلا تصح عبادة إلا بالنية، فالأعمال الصالحة لا بد لها من نية، فعليكم عباد الله بتبييت النية ليلة رمضان.

أيها الإخوة المؤمنون، إن من سنن نبيكم محمد (ص) تعجيلُ الفطر لقوله: (لا يزال الناسُ بخيرٍ ما عجَّلوا الفِطر) [أبو داود وأحمد]، وكان يؤخر السحور إلى قُرب الوقت، ويقول: (فصلُ ما بين صيامِنا وصيامِ أهل الكتاب أكلَةُ السّحر).

عباد الله، من مبطلات الصيام، الأكل والشـرب والجماع، لحديث الرجل الذي جامع زوجته في نهار رمضان وجاء إلى النبي (ص) قائلاً: هلكت يا رسول الله. ومن مفسدات الصوم، تعمد إخراجَ القيء من الجوف، لقول النبي (ص) قال: (من استقاء وهو صائم فليقضِ) [أبو داود والترمذي]، وخروجُ دَمِ الحيض من المرأةِ من مفسدات الصوم، ولو كان قبلَ الوقتِ بدقائقَ.

عباد الله، الأكل والشـرب ناسياً لا يؤثر على الصيام، فقد جاء عن نبيكم (ص): (من نسـيَ فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) [متفق عليه]، واحتلامُ الصائِمِ في رمضانَ لا يؤثِّر عليه، لأن هذا أمرٌ غالِب عليه ولا قدرةَ له على مَنعِه. وأبر الأنسولين، وتحليل الدم، وقلع الأسنان وحشوها واستخدام بخاخ التنفس والعطورات وأنواع الطيب السائل لا تفطر لأنها لا تنافي الصيام، إنما الذي ينبغِي أن يجتَنَب هو البخور.

عباد الله، والصوم ليس فقط الامتناع عن الطيبات والمباحات، ولكنه في مقاصده الواسعة الشاملة هو تحريم كل ما ينافي الصوم وغاياته، فقد جعل الشارع الحكيم حول الصائم سياجاً منيعاً، من طهارة القلب، وغض البصـر، وإمساك اليد عن البطش، وعفة اللسان، جاء في الحديثِ الصحيح أن رسول الله (ص) قال: (إذا كان يومُ صومِ أحدكم فلا يرفث ولا يصخَب، وإن سابه أحد أو قاتَله فليقل: إني صائم)، وفي تحذير شديد قال (ص): (من لم يدَع قولَ الزور والعملَ به فلَيس لله حاجةٌ في أن يدَع طعامَه وشرابَه) [البخاري وغيره].

أيها الإخوة المؤمنون، إن للصوم فوائد ومنافع، صبر وورع، وزهد وحياء، وجود وعطاء، وسمو ورفعة، وكسر للشهوات، يقول (ص) فيما يرويهِ عن رب العزة تبارك وتعالى: (لخَلوف فم الصائم أطيَب عند الله من ريح المسك).

عباد الله، يبشـر المولى عباده الصائمين بأن لهم الفوز والنجاح احتفاء بصيامهم، كما جاء في الحديث القدسي: (كل عمل ابنِ آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به)، وجعل الفرح والسـرور هي النتيجة الحتمية للصائم كما جاء في قوله (ص): (للصائم فرحَتان يفرَحُهما: إذا أفطر فرِح بفطره، وإذا لقيَ ربَّه فرح بصومه) [البخاري ومسلم].

فاستقبلوا شهركم - عباد الله - بصلاح النيات، وحسن الأعمال، وخواتيم الآجال.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله، اتقوا الله، وزكوا أعمالكم وأقوالَكم في شهر رمضان بالصدق والإخلاص، واغتَنِموا أوقاتَه الشـريفةَ بالإحسان والمعروف.

عباد الله، جاء عن نبيكم محمد(ص): (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوم) [حديث صحيح]، من هذا الحديث الصحيح عرف العلماء وسيلة الصيام، وهي الرؤية الشـرعية، فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته.

أيها الإخوة المؤمنون، شهر رمضان، هو شهر القرآن، فعطروا مجالسكم بقراءة القرآن، افتتحوها ولو بالشـيء اليسير من القرآن، لا تجعلوها مجالس هذر ولغو، فصوموا أمسكوا ألسنتكم.

عباد الله: الإنفاق والإحسان يتضاعف في هذا الشهر، لذا نداءنا للمحسنين وأهل الخير بأن قوموا بواجب المعروف للفقراء والمساكين والمحتاجين، فالفقير والمحتاج ينتظر ما تجود به أنفسكم في هذا الشهر الفضيل، وعليكم بالأقربون والجيران، ساعدوا إخوانكم في غزة وفلسطين فإنهم في أمس الحاجة لكم!!، فإن الصدقة تقي وجه العبد عن النار سبعين خريفاً.

إلا فاتقوا الله رحمكم الله، وتوبوا إلى ربكم وأصلحوا ما فسد من أمركم.


جامع الخير قلالي

الشيخ صلاح الجودر


إرسال تعليق

0 تعليقات