خطبة عن التقوى والمتقين

 

جامع دار الهدى الإسلامية 10 يناير 2025


خطبة عن التقوى والمتقين

جامع دار الهدى الإسلامية - كيرلا- الهند- 10/1/2025

 الحمد لله الذي أكمَل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، وجعل أُمتنا وله الحمد خيرَ أمة، وبعث فينا رسولًا منا يتلو علينا آياته، ويزكينا ويُعلمنا الكتاب والحكمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تكون لمن اعتصم بها خير عصمة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسله للعالمين رحمةً، وخصَّه بجوامع الكلم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً تكون لنا نورًا من كل ظُلمة، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أيها الناس، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، قال تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281]، اتقوا يومًا الوقوف فيه طويل والحساب فيه ثقيل.

عباد الله، مع التقوى سيكون حديثنا في هذا اليوم المبارك، من هذا الجامع المبارك بكيرلا بالهند، مع صفات المتقين سنعيش في هذه الدقائق بإذن الله تعالى.

جاء عن نبيكم محمد ﷺ: «اتَّقِ الله حيثما كنت»، فالعبد يجعل بينه وبين ما يخافه وقاية، وتقوى العبد لربه: أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من غضبه وسخطه وقاية تَقية من ذلك بفعل طاعته، واجتناب معاصيه. وتقوى الله أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا ينسى، وأن يُشكر فلا يُكفر. وهي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل كما جاء عن الامام علي رضي الله عنه.

عباد الله، التقوى هي خير ضمانة نحفظ بها أولادنا وذرياتنا، قال تعالى: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) [النساء: 9]، وقال الإمام القرطبي رحمه الله: «الأمر بالتقوى كان عامًّا لجميع الأمم».

أيها الأخوة المؤمنون، التقوى وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه: قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع، فقال صلى الله عليه وسلم: (أُوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن كان عبدًا حبشيًّا) [سنن الدارمي وغيره]، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها».

ومن وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: (اتَّق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تَمْحُها، وخالق الناس بخُلقٍ حسن) [الترمذي وقال حسن صحيح]. فاتَّق الله حيثما كنت، في السر والعلانية، في الشدة والرخاء، في الخلوة والجلوة، والتقوى هي أجمل لباس يتزيَّن به العبد، قال تعالى: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْر) [الأعراف: 26]، والتقوى هي أفضل زاد يتزود به العبد؛ قال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 197]، وبها الطريق إلى الجنة فقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: ما أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: (تقوى الله وحُسن الخلق) [أحمد]، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل الله التقوى في دعائه، فيقول: (اللهم إني أسألك الهدى والتُقى والعفاف والغنى) [مسلم].

عباد الله، إن تقوى الله إذا استقرَّت في القلوب، وارتسمت بها الأقوال والأعمال والأحوال، أثمرت من الفضائل والفوائد والثمار ما تصلح به الدنيا والآخرة، وما يشحذ هممَ أولي الأبصار إلى صراط العزيز الغفار.

أيها المؤمنون، إن من فوائد التقوى وثمارها أنها سببٌ لتيسير العسير، وتقوى الله سببٌ لتفريج الكروب وإيجاد المخارج والحلول عند نزول الخطوب، وهي سبب لفتح سبُل الرزق؛ وتقوى الله سبب لنجاة العبد من الهلاك والعذاب والسوء، وهي سببٌ لتكفير السيئات ورفع الدرجات والفوز بالغرف والجنات. فاتقوا الله عباد الله، فإن تقوى الله هي أكرم ما أسررتم، وأعظم ما ادخرتم، وأزين ما أظهرتهم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخُطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا، أما بعد:

عباد الله، اعلموا أن التقوى سببٌ في توفيق العبد في الفصل بين الحق والباطل، ومعرفة كل منهما؛ فالتقوى سببٌ لعدم الخوف من ضرر وكيد الكافرين، التقوى سبب لتعظيم شعائر الله؛ التقوى سببٌ لنيْل رحمة الله، وهذه الرحمة تكون في الدنيا كما تكون في الآخرة، والتقوى سببٌ للإكرام عند الله تعالى، والتقوى سبب للفوز والفلاح، وإنها سببٌ للنجاة يوم القيامة من عذاب الله، وإنها سببٌ لقَبول الأعمال، والتقوى طريق لميراث الجنة، وإنها سببٌ في دخولهم الجنة، وذلك لأن الجنة أُعدَّت لهم، إن التقوى سببٌ لعدم الخوف والحزن وعدم المساس بالسوء يوم القيامة، إنهم يُحشرون يوم القيامة وفدًا إليه، والوفد هم القادمون رُكبانًا، وهو خير موفود؛،إن الجنة تُقرَّب لهم.

فاتقوا الله عباد الله بحفظ قلوبكم من منكرات الأخلاق من الغل والحسد. والعداوة والبغضاء على الدنيا وحطامها.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]. فصلُّوا وسلِّموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبة وسلم تسليما كثيرا.

اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين وعن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم ألِّف بين قلوب المسلمين على الحق يا أرحم الراحمين، اللهم فرِّج همَّ المهمومين، ونفس كرب المكروبين، اللهم واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين يا رب العالمين، اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين، اللهم ضاعف حسناتهم، وتجاوز عن سيئاتهم يا أرحم الراحمين.

عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون. {النحل:90}. فاذكروا الله واشكروه، واقم الصلاة.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات