الكاتب صلاح الجودر
مع بداية ظهور الكاميرا والصورة في العام 1839 رافقتها دعوات التحذير من التقنية الجديدة التي تعكس صورة الإنسان والحيوان والطير، ورغم جمال العالم الجديد بتقنياته، ورؤية الشخص لنفسه في مراحل عمره المختلفة إلا أن هناك تخوفًا منها لما تحتويه من الدخول الى الخصوصية، ومعرفة الأسرار، تكشف المستور، وكان تصوير النساء حينها أكثر حذرا حتى لا يستغلها ضعاف النفوس للابتزاز والتحرش.
وكذلك الحال في البحرين حين دخلت الكاميرا، وفتحت الاستوديوهات بالمنامة والمحرق بداية العام 1930، كانت المخاوف من ذلك كثيرة، وقد تلبس بعضها بفتاوى دينية ترفض التصوير وتعتبره محرماً، وحتى فترة الصحوة خرجت بعض الفتاوى التي ترفض التصوير لذوات الأرواح كما تم المطالبة بأن تمتنع المرأة عن السياقة والعمل.
وجاءت الصور المتحركة والأفلام والمسلسلات من خلال السينما والتلفزيون في الخمسينيات من القرن الماضي، وكذلك رافقها تحذير ووعيد من مشاهدة التلفزيون أو الذهاب الى السينما، فقد جاءت الأفلام العربية والامريكية والهندية وغيرها، وقد اعتبر الرجل الذي يذهب إلى السينما أو يدخل التلفزيون الى بيته قليل المروة.
وعلى مستوى التلفزيون جاءت الهوائيات (الاريل) لمشاهدة تلفزيون الكويت والعراق، والرسيفرات ومقويات الارسال (الدوش) حتى أن بعض الجهات حاولت منعها لسبب انها تخرب البيوت وتنشر الفساد بالأرض، وياليتها وقفت عند ذلك ولكن العالم شهد طفرة علمية وتقنية كبيرة، لذا نشاهد تلك التقنيات التي يعجز العقل عن تقبلها والتجاوب معها بالسرعة المطلوبة.
واليوم العالم يضج بمنصات التواصل الاجتماعي التي تعكست صورة التطور التقني، ووتيرة الحياة التي نعيشها، الحياة المزدحمة بالمشاغل والالتزامات والظروف المفاجئة، وقد سهلت تلك التقنية الوصول إلى المعلومات بأسرع ما يمكن، والتواصل مع الأهل والأولاد والأقارب، ولكنها في ذات الوقت أخذت من لذة الحياة وبهجتها، فهي سلاح ذو حدين.
والإشكالية الكبرى أن الكثير من الناس أصبح مدمني مواقع التواصل الاجتماعي، فينام عليها ويصبح، ويتحدث معها ويضحك، بل ويأكل ويشرب ويدخن الشيشة وهو متسمر عليها، ويسرد حياته الشخصية لأناس لا يعرفهم ولا يعرفونه، فيتحدث عن مغامراته وعلاقاته العاطفية بتجاوز الخطوط الحمراء، واحيانا يتنمر على الآخرين أو على نفسه، فيقضي يومه كاملا في الصالة الرئيسية من البيت أو الغرفه أو المطبخ وهو في حالة انعزال وانزواء عن المجتمع، والحقيقة أنه دخل دائرة الإدمان، ولو انقطعت خدمة الانترنت عن اجهزته لأصيب بالجنون!.
لذا فإن من أبرز المخاطر التي يتعرض لها مدمن مواقع التواصل الاجتماعي قبل تعرضه للاضطرابات النفسية انه يقوم بتعطيل وظائفه اليومية، فلا يخرج ولا يزور ولا يعود احداً، ولا يلبي طلبات أهل بيته والأولاد، ولا يمارس الرياضة وغيرها كثير.
كذلك يصاب بحالة اكتئاب ومزاجية، واضطراب النوم لديه بسبب السهر، ويفزع من فراشه لأتفه الأسباب، وهو الأمر الذي يجعل عنده ضعف في الشهية والتغذية، فلا يعرف ما يأكل، والكمية التي أكلها، وقد اتفق بعض الخبراء على أن الجلوس الطويل أمام الشاشات يعطل الوظائف اليومية. من هنا يجب الحذر من مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم قبول كل ما ينشر خلالها، فمع وجود الخير في بعض منها، إلا أن هناك الكذب والشائعة التي تستهدف الهوية.
0 تعليقات