الطنبورة والزار بين الفن والعالم السفلي
الكاتب صلاح الجودر
ولعل من أبرز فرجان المحرق القديمة التي احتوت على الكثير من الفرق الشعبية التي مارست الكثير من الفنون الجميلة خلال القرن الماضي، فريج المري بالمحرق، والذي برزت فيه الكثير من الدور والفرق الشعبية التي أثرت في الساحة المحلية والخليجية بفنونها الشعبية، فهو من أشهر فرجان المحرق لما احتواه من فعاليات مجتمعية متنوعة ومختلفة، ففي هذا الفريج تحديدًا ما يقارب الخمس دور الشعبية، بخلاف الدور أو البيوت النسوية، فما من فنان أو دار شعبية بالخليج إلا وكان لها تواجد في هذا المكان تحديدًا، فقد قدمت تلك الدور أنواعًا من الفنون الشعبية الجميلة حتى أصبحت مقصدًا لأبناء الخليج قاطبة، خاصة في أيام الإجازات الأسبوعية، وليالي الخميس الونيس!
ومن أشهر الفنون التي تميزت في تلك المنطقة فن الطنبورة وحفل الزار، وذلك لارتباط الفنين ببعضهم، وهي مزيج بين الغناء والموسيقى الأفريقية والرقص، وقد اشتهرت هذه الفنون بدول الخليج العربية، البحرين والسعودية والكويت وقطر والامارات وعمان، ويذكر البعض إن هذا الفن يعود إلى الساحل الشرقي من افريقيا، وقد جاء ذكرها عند الرحالة كارستن نيبور في كتابه «رحلة إلى شبه الجزيرة العربية» أن الطنبورة هي التي يستعملها اليونانيون الآتون إلى مصر من جزر الأرخبيل، وتسمى باللغة العربية «طنبورة»، وتشارك في الرقص النساء إلى جانب الرجال.
ومن أشهر الآلات الموسيقية التي تستخدم في هذا الفن آلة «الطنبورة»، وهي الشبيهة بالغيثارة، وهي آلة وترية قديمة عرفها القدماء المصريين، وتتألف من ثلاثة أجزاء رئيسية هي الصندوق والرقبة والأوتار، وتختلف عن سائر الآلات الوترية في أن أوتارها تنزل عمودية على صندوقها، وتطورت عند القدماء المصريين حتى كبر حجمها وزاد عدد أوتارها حتى تراوح بين التسعة والأربعة عشر وترًا.
وكان لفن الطنبورة في الماضي علاقة بالعلاج بالموسيقي، حيث يأتي بالمرضى للرقص فيها، كما له علاقة بإخراج الجن من جسد المريض، ويعتبر فن الطنبورة من فنون الزار، وله طقوس خاصة تزاول في بعض البيوت التي تسمى (المكيد) أو بيت العدة حيث توجد فيه الآلات الموسيقية بشكل دائم، بالإضافة الى وجود مستلزمات الطقوس مثل العود الخشبي ذو الرائحة الزكية، والبخور، وبعض الأعشاب العطرية، وماء الورد والمباخر، ويديره رجل يسمى (راعي المكيد)، وتختلف طقوسه عن ما هو موجود في شمال أفريقيا بعض الشيء، وتعرف بالتنبورة أو التنبور، وفي الغالب يمارسها من تعود اصوله الى افريقيا لما فيها من إيقاع جميل مع قرع الطبل.
والعازف على آلة الطنبورة يجلس على الأرض ويضع الآلة بين رجليه والآلة على شكل قائم، واضعًا أصابعه الخمسة على أوتار الآلة، ممسكًا بظلف من رجل الماعز بعد تنظيفه ليضرب الأوتار به كريشة للعزف. وتتكون فرقة الطنبورة من الرئيس الذي يسمى البابا إذا كان رجلاً، وإلمامًا إذا كانت امرأة، ومسؤولياتهم إدارة شؤون الفرقة، وعازف الطنبورة يسمى السنجك أو راتب الخيط أو راتب المزيرة، ودوره العزف على الآلة والغناء، أما لابس المنجور فهو يلبس إزارًا على خصره من اظلاف الماعز (حوافرها)، ليقوم بالتحرك يمينًا وشمالاً فيعطي صوت الخشخشة التي تصدرها اظلاف الماعز، ويتم كذلك استخدام مجموعة من الطبول بحجم واحد، وهناك رقصة خاصة بهم حين يصطف فريقان متقابلان للرقص، فيرفعون أرجلهم مرتين الى الأمام ثم يعودان الى الخلف، حيث كانوا حتى نهاية الفقرة.
ومن أشهر فرق الطنبورة بالبحرين، فرقة خميس بن صقر، فرقة كافور، فرقة سالم بوعياش، فرقة عيال جمشير، فرقة فؤاد محمد، فرقة حسن وإبراهيم أبناء عباس، ونتذكر في فترة الستينات إبراهيم الحادي وأبناءه، حيث يحبون حفلات الطنبورة الجميلة بالفريج، وهناك بيت أم عيد، حيث تقام حفلات الزار، وبيت الختال، حيث يقام حفل الزار عصر يوم الجمعة.
ومن نصوص الطنبورة التي أوردها بعض الباحثين: هي يا الله يا الله هي الله، هي يا الله يا الله هي الله، هي يا الله يا الله، صلوا على النبي محمد، محمد نبينا يا الله، هي يا الله، ساكن المدينة يا الله، هي يا الله، هي يا الله يا الله، صلوا على النبي محمد.
وقد الكثير من ذلك في كتاب الأستاذ جاسم بن حربان «الزار» وروايات عن الفنان سامي المالود والأستاذ محمد بوفرسن، ولا يزال الحديث عن الطنبورة والزار مستمرًا، فهناك الكثير من الروايات التي تتحدث عن العالم السفلي والتواصل معه من خلال حفلات الزار.
0 تعليقات