جراد وضفادع مواقع التواصل

جراد وضفادع مواقع التواصل

الكاتب صلاح الجودر

أصبح عدد المنظرين بوسائل التواصل الاجتماعي وبعض المنتديات الإلكترونية أكثر من الهم على القلب، فترى السياسي وهو ينظر لقضايا لا ترتبط بالسياسة أصلاً، وقد نبرر ذلك بأن هذه مجاله وذلك ملعبه، ولكن مبرج الكمبيوتر وميكانيكي السيارات وبائع الخضار والمتقاعد من الخدمة وغيرهم من أصحاب المهن والهواة تحولوا في ليلة وضحاها إلى منظرين للقضايا المجتمعية، ومما ساعدهم تقنية الهواتف المحمولة ثلاثية الأبعاد، وجميعهم ينظرون ويحللون ويرفعون شعارات الحوار والمكاشفة والمصارحة، ولو دعوا للحوار لتعذروا، ورفضوا، وبحثوا عن أي ذريعة للهروب إلى الأمام!!.

فاليوم وسائل التواصل الاجتماعي تعج بفيديوهات سمجة حتى أنها لا تضحك الطفل الرضيع، وهي فيديوهات مسائية (بايخة على قولة عادل إمام) لمحاولة زعزعة الأمن والاستقرار، ومحاولة سافرة لفرز المجتمع على أسس طائفية ومذهبية، وجميعها تتخفى بمصطلحات حرية الرأي والتعبير والحوار، وهي مصطلحات مطاطية على شاكلة حلوى أمس العصر!.

والمتابع والمحلل لتلك الفيديوهات ومن يقف خلفها يرى بأنها تستخدم مصطلح الحوار، ولربما في الفيديو الواحد يتم ترديدها عشرات المرات، والمرددون يستخدمونها باختلاف انتمائهم ومشاربهم وأهدافهم، فمع قيمة الحوار وأهميته وأحقيته في العلاقات الإنسانية إلا أن البعض يستخدمه لأهداف وغايات شخصية، فالحوار أداة وعي حضاري بين أطراف مختلفة لاستعراض الآراء والمسائل، ووسيلة من وسائل التناصح والشورى والعمل المشترك، وهو طريق النضج السياسي بين الفرقاء، وسبيل الكمال المجتمعي، وأبرز أسباب رقي المجتمعات وتقدمها إلا أن ذلك كله لا يمكن أن يتحقق إذا لم يقترن بصفاء السريرة، وحسن النية، فيتم ترويض النفوس، وقبول الرأي والرأي الآخر، والاستماع للنقد البناء.

نعترف جميعاً، ونقر ذلك بالعشر بأن الحوار بهذا المجتمع قد انطلق مع المشروع الإصلاح الذي دشنه جلالة الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفة في فبراير 2001، حيث فتح الحوار على مصرعيه في المؤسسات الدستورية، وعبر الصحافة البحرينية، والمجالس الأهلية، والنوادي الرياضية، والمنتديات الإلكترونية، ولم تكن حكراً على فئة مجتمعية، فكان الحوار نقياً صافياً بين الجميع، ولكن مساحة الحرية تم استغلالها لتأجيج الاصطفاف والنفخ في نار الفتنة، وليس عيباً أن ننتقد أنفسنا من أجل الإصلاح، ولكن العيب أن نخادع أنفسنا، ونكذب على من يثق فينا من أجل إعادة الفوضى والخراب!.

والجميع يشاهد الفيديوهات المسربة عبر مواقع التواصل الاجتماعي يرى السموم العفنة في فلتات اللسان، وقال العرب قديماً: «فلتات اللسان تظهر مكنونات النفوس»، والغريب أن لدينا الجرأة في نقد الآخرين، وذكر عيوبهم ومساوئهم، ولكنا جبناء أمام أنفسنا، فلا نحب المواجهة والاعتراف بالخطأ، بل نسخر حديثنا بذكر محاسننا، واستعراض منجزاتنا، ولربما تفخيمها، لذلك أصبحت قدرتنا على البناء من جديد هشة وهزيلة، فتلك الفيديوهات المسربة اجترار لذات الأخطاء التي وقعت، وهي نسخة طبق الأصل للأخطاء التي عكرت صفو العلاقة بين الناس، وكأنها من ذات القوالب الفكرية القديمة!.

ما يجب التذكير به هو أننا جميعاً في قارب واحد، ويتسع للجميع، ولكنه لا يتحمل الخروق فيه، لذلك يحتاج إلى سلامة المركب، وحمايته من المخططات الخارجية التي تستهدف سلامته وأمنه، ويكفي الفرد أن ينظر في مجموعة من الدول العربية مثل العراق وسوريا ولبنان اليمن ليحكم بعدها عن الأوضاع التي يعيشها الناس هناك، لنرى كيف دفع التعصب والتشدد للرأي إلى تصدع الجسور، وكيف تأكلت أواصر الأخوة بين الناس حتى أصبحت دولاً شبه فاشلة.

من هنا لابد من إرسال رسائل الشكر والثناء لكل الجهود الوطنية، ويكن شكراً واضحاً صريحاً لا لبس فيه ولا مواربة، بهذا سلوك تبنى الثقة وتقوم المجتمعات.


صحيفة الأيام البحرينية

العدد 12948 الخميس 19 سبتمبر 2024

إرسال تعليق

0 تعليقات