أمير الشعراء وهدية أهل البحرين


أمير الشعراء وهدية أهل البحرين

الكاتب صلاح الجودر 


في فورة الحركة الأدبية والشعرية في الوطن العربي، وظهور فطاحل الشعر العربي مثل (المتنبي) أحمد بن الحسين بن عبدالصمد الجعفي، و(تأبط شراً) ثابت بن جابر بن عبدالله، و(الأخطل) غياث بن غوث، و(ذو الوزارتين) الشاعر الأندلسي أحمد بن عبدالله بن زيدون المخزومي، و(شاعر الشباب) أحمد رامي، و(شاعر النيل) حافظ إبراهيم، و(شاعر الرافدين) الشاعر معروف الرصافي، وظهور أسم الشاعر أحمد شوقي الذي نال لقب (أمير الشعراء) وهو لقب لم ينله أحد قبله، لذا جاء التكريم من أقطار الدول العربية لهذا الشاعر الذي قال:
على قدر الهوى يأتي العتاب
ومن عاتبت يفديه الصحاب
ألوم معذبي، فألوم نفسي
فأُغضبها ويرضيها العذاب
ولو أني استطعت لتبت عنه
ولكن كيف عن روحي المتاب؟
يذكر بأن أول من أطلق على الشاعر أحمد شوقي هذا اللقب (أمير الشعراء) هي صحيفة الأهرام المصرية، وذلك في مقال نشر في‏ مايو 1926 تحت عنوان (لماذا لُقب شوقي بأمير الشعراء‏؟)، وقد قامت صحيفة الأهرام بالترويج له لأكثر من ربع قرن حتى أقره الشعراء ومن ورائهم الجمهور العربي، والسبب أن الشاعر شوقي بلغ قمة الشعر وتفوق على الكثير من أقرانه، لذا كان لابد من تتويجه رسمياً من أهل الفكر والأدب والشعر باللقب الذي يستحقه.
بالقاهرة تم تشكيل لجنة تشرف على الاحتفالية (أسبوع شوقي) على أن يكون ضمن اللجنة ممثلون من الدول العربية الناطقة بالضاد، ومندوبون عن الجمعيات والمنتديات العلمية والأدبية والثقافية، وأعلنت اللجنة المشرفة على تنظيم الاحتفالية أنها ستتلقى بحوثاً أدبية عن الشاعر أحمد شوقي، وحددت شهر يناير 1927 آخر موعد لتلقيها الأعمال المشاركة، وكان أعضاء اللجنة أحمد شفيق (رئيساً)، أحمد حافظ عوض بك (صاحب جريدة كوكب الشرق وعضو مجلس النواب) «سكرتيراً»، والأعضاء عثمان مرتضى باشا (رئيس ديوان خديوى سابقا)، وجعفر والى باشا (وزير سابق)، وأمين بك واصف (مدير سابق)، والشيخ محمد رشيد رضا (صاحب مجلة المنار)، وأمين بك الرافعى (صاحب جريدة الأخبار)، وسيد كامل بك (مدير إدارة بنك مصر)، ومحمد على دولار بك، وعبدالعزيز البشرى (سكرتير برلماني لوزير المعارف)، وجورج طنوس (محرر بكوكب الشرق)، كما ضمت اللجنة ثلاثة اقتصاديين كبار: فؤاد بك سلطان‏، ‏ومحمد بك طلعت حرب، ونجيب باشا منصور شكور‏، ‏وعدداً من المثقفين‏ يندر أن يجتمعوا في مكان واحد مثل‏ ‏أحمد لطفى السيد (أستاذ الجيل)‏، ‏عبدالحميد بدوي (القانوني الشهير)‏، ‏طه حسين (الأستاذ بكلية الآداب)‏، أحمد أمين (الأستاذ بكلية الآداب أيضا‏)، ‏نجيب الهلالي (سكرتير عام وزارة المعارف)‏، ‏الدكتور على إبراهيم (الجراح المعروف)‏، محمد حسين هيكل (رئيس تحرير السياسة)‏، كما ضمت الأديبة والشاعرة الآنسة مي زيادة‏.‏ وقد بدأ حفل تكريم الشاعر أحمد شوقي (أسبوع شوقي) عصر يوم الجمعة‏ 29 إبريل ‏1927 بدار الأوبرا تحت رعاية الملك فؤاد الأول، وبدأ الحفل بكلمة ترحيبية بالضيوف من صاحب الدولة الرئيس سعد زغلول باشا، ولمرضه ألقاها نيابة عنه ابن أخته الوزير فتح الله بركات، وقد حضرت الحفل وفود أدبية من أنحاء الوطن العربي، وتم تقديم الهداية لأمير الشعراء أحمد شوقي بهذه المناسبة. والبحرين حينها شاركت بوفد أدبي كبير من أعضاء النادي الأدبي بالمحرق والذي تأسس في العام 1920، ومن بينهم رواد مجلس الشيخ إبراهيم محمد ال خليفة، وعبدالله الزايد، وقاسم الشيراوي، وسليمان التاجر، والشيخ محمد بن عبدالله بن عيسى الخليفة رئيس النادي الأدبي، حيث قدم الوفد هدية البحرين تقديراً لهذه القامة الشعرية الكبيرة، وهي عبارة عن نخلة من الذهب واللؤلؤ إلى جانب صورة الشاعر وتحتها بيتان من الشعر عبر فيهما أمير الشعراء أحمد شوقي عن شكره للبحرين على الهدية النفيسة:
قلدتني الملوك من لؤلؤ
البحرين آلاءها ومن مرجانه
نخلة لا تزال في الشرق معنى
من بداوته ومن عمرانه
وكانت الهدية في شكل نخلة صنعت من الذهب الخالص بارتفاع 33 سم، يتدلى منها أربعة عذوق بلح منضدة باللؤلؤ البحريني، تم تثبيتها على قاعدة مثمنة الشكل، صنعت من حجر الكهرمان الأصفر، وغطيت بقبة من الزجاج، قدر ثمن الذهب فيها حين ذلك بمئة وخمسين جنيها، وقد أرسلت مع النخلة الذهبية قصيدة عضو النادي الأدبي في البحرين الشاعر خالد الفرج بعنوان (من وادي اللؤلؤ إلى وادي النيل)، يقول فيها:
من منبت الدر تسليم وتكريم 
لشاعر اللغة الفصحى وتفخيم
حياك في دارنا البحرين لؤلؤها 
والنخل إذا بسمت فيه الأكاميم
ومشاركة البحرين التاريخية في هذه الاحتفالية دلالة على تقدير البحرين للشعر والادب والفنون والثقافة، وتأكيداً لانتمائها العروبي، وانتقل أحمد شوقي إلى الرفيق الأعلى فجر 14 أكتوبر 1932م موصيا بأن يكتب على قبره رحمه الله: 
يا أحمد الخير لـي جاه بتســـميتـي
وكيف لا يتسامى بالرسـول سمــي
إن جل ذنبي عـن الغفـران لي أمل
في اللـه يجعلنـي فـي خيـر معتصـم

صحيفة الأيام البحرينية

العدد 12944 الأحد 15 سبتمبر 2024

إرسال تعليق

0 تعليقات