خطبة الطائفية دعوها فإنها منتنة


 الطائفية دعوها فإنها منتنة

فاتقوا الله أيها المؤمنون: فبتقوى الله تزكو الأعمال، وتُنال الدرجات، وارغبوا فيما عندَه، فبيده الخير وهو على كل شيء قديٌ. اتبعوا ما أُنزل إليكم من ربِكم ولا تتبعوا من دونهِ أولياء.

أيها الإخوة: من الواجبِ على كلٍ مسلمٍ غيور على دينه وأمته أن يزن الأمور بميزان العدل وأن يرضى به لشئون حياته كلها، ذلك مع الأخذ بسنة المصطفى  لأنها المصدر الثاني للتشريعِ، قال تعالى: فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً [النساء: 65]. من رحمة الله تعالى بنا أن أنزل لنا هذا الميزان الحق وهذا الحكم العدل لكي نزن به أمورنا وشئون حياتنا وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلَـٰفاً كَثِيراً [النساء: 82]. فلو ترك لنا هذا الأمرَ لتخبطنا في كلِ وادٍ ولتقاذفتنا الأهواءَ والفتن.

أيها المؤمنون: لقد استمد العلماء معارف لا حصر لها من القرآنِ الكريمِ والسنة، وكان من أهمها "علمُ مقاصدِ الشريعة"، فهو من علم أصول الفقه الذي قال عنه ابن القيمِ -رحمه الله- في "أعلام الموقعين": "إنه العلم الذي يدخل على القلوب بغير استئذان". وكان من فرسان هذا العلم الإمام الشاطبي-رحمه الله-، فماذا نعني بفقه المقاصد؟، هي الصفة الحقيقية التي تؤهل صاحبها لأن ينوب عن غيره، ويتكلم باسمه، هي أن يكون عارفا خبيرا بمقاصده، فالمجتهد الذي يحكم ويفتي باسم الشرع، لا بد أن يكون عالما تمام العلم بمقاصده العامة، وبمقاصده في المسألة التي يجتهد فيها ويحكم عليها، فالشاطبي وضعَ القواعد وبين المناهج، ومن أهم القواعد التي وضعها الشاطبي في العملِ المقاصدي(اعتبار المآلات) التي تعني: تقدير الإنسانِ لعواقب ومآلات أفعاله لتبلغ الأحكام مقاصدها، وتفضي التكاليف الشرعية لأحسن مآلاتها.

أيها الأحبة، لنأتي بحوادث من السنة النبوية لتوضيح القاعدة:

امتنع النبي  عن قتل المنافقين مع علمه بهم واستحقاقهم له، وقـال: (أخاف أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه) [متفق عليه]، وتخلى  عن إعادة بناء البيت الحرام على قواعد إبراهيم حتى لا يثير بلبلة بين العرب، وكثير منهم حديثو عهد بالإسلام، وقال لعائشة-رضي الله عنها-(لولا حدثان قومكِ بالكفرِ لفعلت) [موطأ الإمام مالك]، وعندما بال الأعرابي بالمسجد وقام الصحابـة لزجره ومنعه، قال :(لا تُزرموه، دعُـوه..) [البخاري ومسلم]، فلولا مراعاته للمآلات والنتائج لوجب قتل المنافقين، ولإعادة بناءِ البيت على قواعد إبراهيم، ولمنع البدوي من إتمام فعلته الشنيعة بالمسجد، فالفعل الأول كان سيفضي إلى نفور الناس من الإسلام، والثاني سيؤدي إلى اعتقاد العرب أن النبي  يهدم المقدسات، والثالث ليس فيه إلا أن ينجس البائل ثوبه وجسده وربما تضررت صحته.

وقبل أن نغادر (علم مقاصد الشريعة) نحب أن نختم حديثنا بدعوات التجزئة والتقسيم التي يمارسها البعض بالخارج والداخل، وهذه الدعوات التي تعتمد على تقسيم الأوطان والشعوب طائفياً، وتزرع العداوة والبغضاءِ، ففي العراقِ انطلقت بالأمس أول دعوة تقسيميه، بحيث يقسم العراق إلى ثلاثة أقسام، سنية وشيعية وكردية، فهل من مصلحة العراق وشعبه أن يقسم إلى كنتونات طائفية صغيرة يسهل ابتلاعا من الغرب أو الشرق؟!.

أما الدعوات الداخلية فهي في خطابين، الأول ما حدث في الأسابيع الماضية من دعوة رئيس جمعية سياسية إلى مبايعة قائد أوحد للطائفة له السمع والطاعة، ولا يعرف السبب الذي دعاه إلى رهن نفسه للغير؟!. أما الحدث الثاني: هي الدعوة المضادة التي أطلقها أحد الرموز السياسية بطلب تكوين قوى شعبية مضادة للطائفة الأخرى، السؤال لماذا هذا التحشيد من بعض الرموز السياسية من الطائفتين؟، ولما دعوات التناصر الطائفي جهاراً نهاراً؟، هل هي لعدو خارجي أم هي لإشغال الناس عن قضاياهم الأساسية، من إسكان وتوظيف وتعليم!!.

فاحذروا -عباد الله- من دعوات التقسيم والتجزئة التي تطلق هنا وهناك باسم التناصر للطائفة، واحذروا من الساعين لتحشيد الشارع لنصرة الطائفة أو المذهب أو الفئة، فإن الأمور لا تعالج بالدعوات الطائفية، فإن كان من شعار يرفع هذه الأيام فهو شعار نبيكمُ محمدٍ  (دعوها فإنها منتنة) [البخاري].

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية: لا توجد.


المرجع: كتاب الخطب المنبرية في مواجهة الإرهاب والتطرف والطائفية

إرسال تعليق

0 تعليقات