خطبة بذور الشقاق والخلاف



 بذور الشقاق والخلاف

الشيخ صلاح الجودر

أما بعد: فأوصيكم-عباد الله- ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي سبيل أهل الرشاد، وخير زاد يبلِغ لرضا رب العباد، فتزودوا منها ليومِ المعاد، واغتنموا أيام العمر قبل النفاد، وشمروا في تحقيقها عن ساعد الجد والاجتهاد، واحذروا مسالك أهل الفساد وطرق أهل الضلال والعناد، تدخلوا جنة لا يخفى نعيمها على كل راح وغاد.

عباد الله، في خضم النوازل، وزحمة الأحداث، وكثرة التحليلات والنقاشات، يلحظ الفرد غيابا وتغيباً للرؤى الشرعية في القضايا والأحداث، وقد تُفتقد كلمة الحق والإنصاف في الأجواء التي تشهد مخططات ومؤامرات تغير الهوية، بدأ من زرع بذور الشقاق والخلاف، ونشر نظريات التحشيد والاصطفاف، حتى ظهورت نبتات مسمومة، ودعوات مأزومة، بل أصبح الحال مأسوياً حينما تم تحليل الآثار والنتائج وترك الأهم والمهم في بحث الأسباب والمسببات!!، مما يؤكد حاجة الأمة اليوم إلى العودة إلى مرجعيتها الأساسية والتمسك بكتاب ربها: ولو ردُوهُ إلى الرسُولِ وإلى أولي الأمرِ منهم لعلمهُ الذين يستنبطُونهُ منهم [النساء: 83].

أيها المسلمون، لا يخفى عليكم ما تواجهه أمتنا من أحداث مأسوية عصيبة، فلسطين والأقصى السليب، والعراق وسوريا وفقدان السلم الأهلي، ولبنان دولة الأحزاب، وباكستان والصراع الطائفي، واليمن والسودان ومحاولات التقسيم والتجزئة، أحداث تنذر بتداعي الأمم على أمتكم في نظام عالمي جديد، والعاقل وذو البصيرة هو من يرى ذلك التداعي والتحريش الشرس والتحريض المفتعل لزعزعة أمن واستقرار دول المنطقة لتغير هويتها!.

أيها الإخوة المؤمنون، بلادكم(البحرين) ليست بمنأى عن تلك الاستفزازات، فمنذ سنوات وهي تتعرض لدعوات التدمير والتخريب، فغرر ببعض الشباب والناشئة حتى أصبحوا أداة طيعة لتنفيذ أعمال التخريب والحرق والتدمير، وإغلاق الطرقات والشوارع، والاعتداء على رجال حفظ الأمن والمارة، في صورة تؤكد على التبعية لأصحاب الفكر التدميري والتخريبي، وتحد سافر للنصوص الشرعية التي تحرم أعمال الإفساد في الأرض، وسعي حثيث لتغير هوية المجتمع، وتحويله من مجتمع متسامح إلى مجتمع متقاتل، ومن مجتمع يدعو للتعايش إلى مجتمع يدعو للصدام، ومن مجتمع يحترم القوانين والأنظمة إلى مجتمع الغاب، في اعتقاد خاطئ بأن ما يقومون به من الإصلاح والدفاع عن حقوق الناس، وكأنهم قد أعطوا الوصاية على الوطن، وهم في حقيقتهم داؤها لا دوائها!، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ *أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ [البقرة: 11، 12].

عباد الله، لتحليل المواقف والبحث في الأسباب، هناك سيارة لرجال حفظ الأمن قد أُحرقت وكاد من فيها أن يحترق، لماذا لا يتم الحديث عن المحرض لتلك الفئة من الشباب؟، أهذه أعمال إنسانية تقرها شريعة أو عرف أو قانون؟!.

أيها الإخوة، قد يقول قائل بأن هذه المجموعة لها مطالبها المشروعة!، ونحن نقول هل كل من له حق يخرج على الناس ويعتدي على رجال حفظ الأمن؟!، وهل التعبير يكون بإغلاق الطرقات وحرق الإطارات وترويع الآمنين؟!، إن المطالب لها قنواتها الشرعية والدستورية، ولكن من يبيح استخدام المولوتوف؟!، من يبيح حرق الإطارات؟!، من يبيح إغلاق الشوارع؟!، من يبيح ترويع الآمنين؟!، من يبيح تعكير صفو الأمن والاستقرار والدفع بأبناء هذا الوطن إلى صراع طائفي مقيت بين السنة والشيعة؟.

عباد الله إننا اليوم أمام مسئولية دينية ووطنية وتاريخية لكشف الشبهات عن شباب الأمة وناشئتها، وتأكيد الفكر المعتدل الوسطي لمواجهة دعاة التخريب والحرق والتدمير، الأمر الذي يدعونا إلى حماية الأمن بالتصدي للمخططات والأفكار التي تستهدف وطننا في عقيدته، لا بد من تجفيف منابع الأفكار المدمرة، قال تعالى: وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام: 55].

أيها الإخوة، إننا في هذا اليوم المبارك(الجمعة) ومن هذا المكان المقدس(المنبر) نجدد دعوتنا السابقة إلى القيام بحملة وطنية مخلصة لإيقاف الأعمال التي تعكير صفو الأمن والاستقرار، دعوتنا إلى القوى الدينية والسياسية التي ترى مصلحة الدين والوطن فوق كل شيء، لذا باسم الدين وباسم السلم الاجتماعي وباسم العجائز والضعفاء ندعو الجميع للوقوف في وجه تغير هوية المنطقة، والتصدي للفتنة الطائفية.

أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعملوا لآخرتكم كما تعملون لدنياكم، قال تعالى وقل اعملوا فسيرى اللهُ عملكم ورسولُه والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادةِ فينبئكم بما كنتم تعملون [التوبة: 105].

أيها الإخوة، إننا اليوم مطالبون جميعاً في البيت والمسجد والمدرسة والمؤسسة والشارع بالعمل المشترك لنشر التسامح والتعايش بين الناس، بعيداً عن الانتماءات الطائفية المقيتة، أو المصالح الحزبية الضيقة، أو المكاسب الذاتية، وأن ننتهز الفرصة التاريخية لفتح قنوات الحوار فيما بيننا، سنة وشيعة، وبين شعوب العالم باختلاف عقائدهم ومناهجهم ومدارسهم، وإعادة الصورة الحقيقة المشرقة للإسلام، ملة أبينا إبراهيم -عليه السلام- ومحمد لقوله: (إنما بعثت بالحنيفية السمحة) [الإمام أحمد مرفوعاً]، وقال تعالى إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود: 88].

ألا فاتّقوا اللهَ رحِمكم الله، واحفَظوا ألسنتَكم، وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [الأنفال: 1].

المرجع: كتاب الخطب المنبرية في مواجهة الإرهاب والتطرف والطائفية

إرسال تعليق

0 تعليقات