دعوة لمراجعة السند وتجديد الخطاب الديني
بقلم: الكاتب صلاح الجودر
العدد 12430 الخميس 20 أبريل 2023
الضجة التي حصلت في مواقع التواصل الاجتماعي إثر تصريحات الداعية السعودي الشيخ صالح المغامسي كانت متوقعة لما فيها من دعوة لكسر تابو الفقه الذي أغلق قبل أكثر من ألف ومائتي عام، وهو ما صرح به على القناة السعودية الأولى في مقابلته بشهر رمضان المبارك حين قال: (أرجو من الله أن ينشئ على يديه مذهبا إسلاميا جديدا).
الشيخ صالح بن عود المغامسي إمام وخطيب مسجد قباء سابقًا (أول مسجد بالإسلام) بالمدينة المنورة، وله شعبية واسعة وذلك لعلمه ومكانته، ولكنه بهذا التصريح فتح بابًا لإعادة الحديث عن مسألة الاجتهاد، وأن لا يقتصر على المذاهب الإسلامية الموجودة حاليًا، وسبب تلك الدعوة هو مراجعة الموروث الديني (المراجعة لما قد سلف أمر لا مناص منه)، وأستدل على أنه يجب المراجعة وتجديد الخطاب الديني الذي طرأت عليه قضايا لم تكن معهودة من قبل (في كل مرحلة من مراحل البناء الفقهي يطغى شيء جديد، لذا لا بد في هذا الزمن عن تحرير المسائل)، وقد علل ذلك بأن (السند طغى على الأحاديث المنتشرة مما أضر بالناس، فدخلت أحاديث آحاد من الصعب نسبتها للنبي).
لقد أكد الشيخ المغامسي على أن القرآن هو الكتاب الوحيد الصحيح وغير قابل للمراجعة، وأن الفقه يحتاج للمراجعة والتمحيص لأنه صناعة بشرية، ويعتريها ما يعتري الأمور الأخرى، وتوقف عند المذاهب الإسلامية التي هي من صنع البشر، لذا لابد من المراجعة.
لقد أثارت دعوة الشيخ المغامسي لغطًا كبيرًا، وأصبح العلماء والمشايخ وطلبة العلم بين معارض ومؤيد، فالمعارضين يرون أنها دعوة لتميع الدين وتقويض أصول الشريعة، والمؤيدون يرون أنها في إطار المراجعة وتنقية ما يشوه الدين، خاصة أن هناك أحكامًا قابلة للتأويل لا حقائق ثابتة، وهذا ما ذهب إليه الشيخ المغامسي في تصريحه لإعادة قراءة الفقه ومراجعة المذاهب الإسلامية، خاصة في ظل ما استجد من قضايا ومواضيع، لذا يدعو لمذهب فقهي جديد!!
والفقه هو الفطنة والعلم بالأمور وفهمها بشكل دقيق، وقيل هي العلم بالأحكام الشرعية الفرعية العملية، المستمدة من الأدلة التفصيلية، وفي هذا الجانب يدور حديث الشيخ المغامسي ودعوته لإنشاء مذهب إسلامي فقهي جديد، وعلل ذلك بأن السند وهو (الطريق الموصلة إلى متن الحديث، أي رواة الحديث، وسمي سندًا لأن كل راوٍ يُسنده إلى راوٍ حتى ينتهي السند إلى التابعي أو الصحابي)، وأعتبرها صناعة بشرية تصيب وتخطئ، لذا لابد من المراجعة والتمحيص.
الشيخ المغامسي يدرك أن دعوته تلك ستفتح أبوابًا كانت مغلقة لسنوات، ولابد وأن تفتح يومًا، سواءً من العلماء وطلبة العلم أو من جمهور الناس الذين يشهدون قضايا جديدة، وما لا يستوعبه الناس اليوم سيدركونه غدًا، وما طرح الشيخ المغامسي هو رأي يواكب متطلبات الحياة وفقه الواقع وحركة التاريخ، فهناك الكثير من القضايا التي استجدت على الساحة، لذا جاء رأيه المكفول شرعًا ودستورًا وقانونًا، ولا يمكن لأحد ممارسة القهر عليه.
وسواءً اتفقنا مع الشيخ المغامسي حول إنشاء مذهب إسلامي جديد أو اختلفنا معه، إلا أن الحاجة اليوم إلى نقد ما هو موجود من تراكم تراثي أعتقد البعض أنه من الدين، وهو تراكم عادات وتقاليد لربما أتعبت كاهل المجتمعات العربية والإسلامية.
الشيخ المغامسي بدعوته تلك يهدف إلى تجديد الخطاب الديني، وهذا (ليس انتقاصًا من أحد، فكلهم علماء أجلاء من نعرف ومن لا نعرف)، فليس الهدف بإنشاء مذهب جديد بقدر ما هي دعوة للمراجعة وتجديد الخطاب الديني، فالجميع اليوم يرى الجماعات المتطرفة والمتشددة وهي تخترق الدين باجتهادات وفتاوى وآراء تفتقد إلى فقه الواقع.
المقابلة التي صرح فيها الشيخ المغامسي جاءت في برنامج (ذات مع سامي الجابر) وهو نجم كرة القدم السعودي السابق، وكانت حلقة ثرية لما فيها من آراء وروئ مهمة في عصرنا الحاضر. ودعوة الشيخ المغامسي للتجديد ليست بكفر ولا بدعة، ولكنها سنة الحياة، فالله يرسل على كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة دينها كما جاء عن رسول الله.
0 تعليقات