«خلوا بالكم» من خطورة وسائل التواصل

 

«خلوا بالكم» من خطورة وسائل التواصل الاجتماعي

الكاتب صلاح الجودر

العدد 12437 الخميس 27 أبريل

مراجعات / صحيفة الأيام البحرينية


واقعنا في القرن الحادي والعشرين يختلف وبشكل كبير عن واقع القرن الماضي، فواقع القرن الماضي قائم على القيم والمبادئ والأعراف والعادات والتقاليد حتى عرف بـ(زمن الطيبين)، وما أجمله من زمن حين كان التواصل قائم على القيم الإنسانية الراقية.

ووسائل التواصل الاجتماعي اليوم كثيرة ومتنوعة، وهي فعلاً قصرت المسافة وقربة البعيد، بل إنها كسرت كل الحواجز الاجتماعية بين الناس، ولم تعد هناك حدود أو سواتر تمنع التواصل، ولكن المؤسف أنها تحمل في طياتها أفكار ومناهج لا حدود لها، والأغرب أنه ليس لها سقف ممكن أن تقف عنده ولا تتجاوزه، لذا من الأهمية قراءة واقعها ومعرفة فوائدها ومخاطرها، ومن ثم الحذر من آثارها وإفرازاتها!

وسائل أو منصات التواصل الاجتماعي تم إطلاقها بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وكان عدد المشتركين فيها بالألف فقط، ولكن سرعان من تضاعفت وتنوعت تلك المنصات وتعدد أغراضها، ولذا زاد وبشكل كبير عدد المشتركين فيها، وخصوصًا حين ظهرت جائحة جني الأموال من خلال تلك المنصات التي يعتبرها البعض (أتفه من التفاه ذاتها)، ومع ذلك أصبح المشتركون فيها والمتابعون بالملايين، حتى ظهرت فئة المشاهير الذين كسروا الصندوق الأسود في حياتهم، ولم يتبقى سر ولا خصوصية، كل شيء على المكشوف وفوق الطاولة!!

المؤسف أن بعض المنصات جعلت المنافسة في المحتوى من خلال البث المباشر حتى وأن كان المحتوى فاضيًا، وهو الهدف الذي يسعى لتحقيقه المشاهير لجني الأموال من خلال الإعلان والدعاية والهدايا والمنافسة والرهان المشروط وغير المشروط، وهو الأمر الذي فتح شهية الممثلين والمغنين والفنانين لإضافة البث ضمن برنامجهم اليومي، وسواء عن الاستيقاظ من النوم، وتناول الإفطار، وسياقة السيارة، وشرب القهوة، وطباخ الغداء، وحفل الشواء ومن ثم الخلود إلى النوم بعد استخدام فرشاة الأسنان.

ليس الحديث عن خطورة وسائل التواصل الاجتماعي، فهناك الخير والشر، المفيد والضار، فتلك الوسائل فيها الكثير من الفائدة من تحقيق التواصل مع أنواع البشر، والتعرف على الكثير من الثقافات، وقد عززت تلك الوسائل التواصل البشري، ولكن من جهة أخرى فيها الكثير من المساوئ، والسبب عدم الالتزام بالمبادئ والقيم التي تقوم عليها الشعوب والمجتمعات، لذلك يجب التحذير من سوء استخدام تلك الوسائل، فوسائل التواصل الاجتماعي تشهد تطورًا كبيًا لا يمكن للفرد العادي أن يتصوره أو يواكبها، وقد فرضت واقعها على كل القطاعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، ولم يعد هناك قطاع بعيد عنها، فأصبحت واقعًا لا يمكن الاستغناء أو التغافل عنه، بل تجاوزت ذلك إلى مرحلة صنع القرار، فلها تأثير كبير في وعي الناس حين اخترقت البيوت والمدارس والأعمال، ولمن شاء لينظر إلى الناس وهي بالشارع وبيدها هاتفها النقال حتى ليخيل للفرد بأنها مسلوبة الإرادة!

المؤسف أن بعض وسائل التواصل الاجتماعي تحقق ثراءً فاحشاً من خلال ما يعرف بـ(البث)، حيث يتسابق الأولاد والبنات في تحقيق النقاط والفوز المشروط، وفي هذا المجال يرى الأسفاف في العبارات والمصطلحات، والعبارات النابية والتنمر والتفسخ، كل ذلك لحصد أعداد كبيرة من المتابعين، والتي على إثرها يحقق الفرد الشهرة والثراء!

فوسائل التواصل الاجتماعي في حد ذاتها ليست سيئة، ولكن السيئ فيها هو أنها تفتقد إلى السياج الأخلاقي الذي يحافظ على هوية المجتمع من خلال الفرد، فنرى الكذب والسخرية والهمز واللمز في ظل تفاهة وسماجة رخيصة، لذا نحتاج اليوم إلى الكثير من المحاضرات وورش العمل لتصحيح مسار وسائل التواصل الاجتماعي، وإيجاد البديل المفيد والنافع، فجيل اليوم سيحمل أمانة وطن، ونتمنى أن يكون على قدر المسؤولية!

إرسال تعليق

0 تعليقات