بقلم: الكاتب صلاح الجودر
العدد 12405 الأحد 26 مارس 2023
يأتي شهر رمضان هذا العام ليعيد لنا وحدتنا ولحمتنا التي افتقدناها السنوات الماضية، فشهر رمضان يأتي بعد فترة جائحة كورونا المستجد التي ضربت العالم، حيث فرضت الجائحة خلال الأعوام (2020-2021-2022) ثقافة التباعد الاجتماعي حفاظاً على الجنس البشري، لذا يأتي شهر رمضان هذا العام ليعيد اللحمة بين الناس، وليؤكد على أهمية حاجة الإنسان إلى أخيه الإنسان!
مع دخول شهر رمضان ترتفع الشحنات الإيمانية في الفرد لما في هذا الشهر من طاقة إيجابية كبيرة، فالصلاة والصيام والصدقة والدعاء وقراءة القرآن وصلة الرحم وغيرها من أعمال البر تؤثر إيجابياً في سلوك الفرد، فيجنح الفرد إلى الخير ويبتعد عن نزعات الشيطان ووساوس النفس، ويسعى لتعزيز العلاقات الاجتماعية مع الاخرين.
فمع أول يوم من رمضان نرى التواصل المجتمعي من خلال الزيارات الأهلية والترابط الأسري ولم الشمل للعلاقات التي تأثرت بسبب بعض الأخطاء والسلوكيات، وما أجمل أيام وليالي رمضان في بلاد العرب الذي تظهر فيهم صور التعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم من أتباع الأديان.
أياماً معدودات من شهر رمضان كفيلة بتجديد دماء الأمة والمجتمع، وتتضح تلك الصورة مع أول ليلة من ليالي شهر رمضان بعد تناول وجبة الفطور مع الأسرة والأبناء، بأكل التمر والثريد باللحم والهريس والرز مع اللحم أو الدجاج، ويرافق ذلك دعاء (ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله)، إنه الاجتماع الأسري الذي لا نراه طاول العام لانشغال أفراد الأسرة بالدراسة والعمل ومشاغل الحياة، ولكن الأسرة تعيد ترتيب ذاتها في شهر رمضان، فتسأل عن المفقود، وتدعو للمريض، وتترحم على الميت.
أعمال البر والإحسان في البحرين تنوعت وتعددت، فنرى الخيام التي تنصب في المساجد والساحات، وهي خيام وموائد الرحمن للفقراء والمساكين وأبناء السبيل، وهي صورة حضارية تعكس التكافل المجتمعي، وقد تبنتها الكثير من الجمعيات والصناديق الخيرية التي تجمع الأموال من الأغنياء وتنفقها على الفقراء والمساكين كما صح عن رسول الله حين قال لمعاذ بن جبل حين ابتعثه لليمن: (أن الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنياهم، فترد في فقرائهم) «متفق عليه»، فالصدقة تأخذ من أغنياء البلد وتنفق على فقراء البلد.
وتأتي صلاة العشاء والتراويح لأداء الفريضة وزيادة الأجر، ثم تبدأ الزيارات لتقديم التهاني والتبريكات بحلول شهر رمضان، ففي البحرين تنطلق الزيارات للمجالس الأهلية بعد صلاة العشاء والتراويح، وهي عادة متوارثة من الآباء والأجداد، فيتعلم الفرد في المجالس الأهلية آداب المجالس أو ما يعرف (سنع المجالس)، السلام والتحية، والترحيب بالضيف والزائر، واكرام الوفود بالقهوة والشاي، فمجالس البحرين ليست مقتصرة على المواطنين فقط، ولكنها مفتوحة لعموم الناس باختلاف أطيافهم!
المجالس قديماً يفتحها الأعيان وأصحاب المال والتجار، أما مجالس اليوم فيقيمها كل فرد مقتدر، ففي البحرين اليوم المئات من المجالس الأهلية، بعضها تفتح ليلياً والآخر أسبوعياً، وهناك مجالس للرجال وأخرى للنساء، والشباب لهم مجالسهم الخاصة في نسيج اجتماعي جميل.
ومن المظاهر الجميلة بالبحرين هي الغبقات الرمضانية التي تقيمها المؤسسات والبنوك والأندية سنوياً، وهي قمة التعايش السلمي والتسامح المجتمعي، وليس هناك من فرصة للالتقاء والاجتماع أفضل من شهر رمضان المبارك، وترى تلك الصور في الفنادق والمطاعم التي تقيم مائدة الافطار والغبقة، وترى في تلك الأمسيات المسابقات والجوائز!.
ما يصاحب شهر رمضان هي الأهازيج والأناشيد التي يرددها الشباب والأطفال في شهر رمضان حين يخرجون إلى الشوارع والطرقات، فيرددون في أول ليالي الشهر (حياك الله يا رمضان)، وحين ينتصف الشهر يخرجون مرددين (قرقاعون.. عادت عليكم، أو يا الصيام)، وفي آخر ثلاث ليال يقولون (يا الوداع.. يا رمضان.. عليك السلام.. يا شهر الصيام).
شهر رمضان بالبحرين ترى مظاهره في المناطق القديمة مثل باب البحرين بالمنامة وسوق المحرق وغيرها من المناطق، هذا هو شهر رمضان في البحرين حين يجتمع الناس على المحبة والألفة وتعزيز الأمن والاستقرار.
0 تعليقات