رمضان أهل البحرين قديمًا


 رمضان أهل البحرين قديمًا

بقلم: الكاتب صلاح الجودر

العدد 12409 الخميس 30 مارس 2023

مع عودة شهر رمضان المبارك تعود الذكريات الجميلة لأيام زمان حين كانت الحياة بسيطة والناس على قدهم، فالحديث عن رمضان هو حديث عن ماضٍ يعود من جديد، وارتباط الحاضر بالماضي الجميل، وأبرزها لمة الأهل والعيال على مائدة واحدة طوال الشهر الكريم، فتعود مع الشهر الكريم العادات البحرينية الأصيلة التي تربى عليها الآباء والأجداد، ويتم نقلها للأجيال لما فيها من صمام أمان لمستقبلهم المشرق.

مع شهر رمضان تحاول الأسر في البحرين من تأصيل تلك العادات في نفوس الأبناء، فهو شهر كله دروس وعبر، وبرنامج شهر رمضان بلا شك يختلف عن سائر شهور السنة، والقائد في ذلك هي ملكة المنزل (الأم) ورفيق دربها (الزوج والأب)، ولربما بلغا الكبر، فينادى الأثنين بالجدة والجد حين تلتأم الأسرة بحضور الأحفاد.

تبدأ تباشير شهر رمضان قبل الاعلان بدخول الشهر بالرسائل النصية المهنئة والمباركة، متمنية بأن يكون شهر خير وبركة وأمن واستقرار، وهذا ما يردده الناس مع دخول الشهر ورؤية هلال رمضان (اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام)، فمع أول ليلة من رمضان يسترجع الناس ذكريات أيام زمان، والقصص والحكايات وأحوال الناس حينها، وكيف كان الحب والألفة بينهم، إنها العادات والتقاليد المتوارثة التي ترى في كل مناطق البحرين (القديمة والحديثة)، ترى في الحواري والأسواق والمجمعات والفنادق والمطاعم حين يتم تزين المباني والبيوتات من الداخل بالزينة والأنوار والمصابيح، وتقوم ربة المنزل بالاستعداد المبكر لمائدة الافطار بشراء حاجيات رمضان، اللحم والدجاج والرز والسكر والطحين والحلويات، وشراء الأواني والقدور ومستلزمات المطبخ، وقديما كانت الأمهات تستعد بتصفير الأواني النحاسية من خلال الاستعانة برجل مهنته (تصفير الجدور).

مائدة الافطار في رمضان تختلف بشكل كبير عن سائر أيام السنة، ولربما المأكولات الرمضانية ليس لها ذات النكهة سوى في رمضان، مثل أكلة الثريد والهريس والكباب والخنفروش والمحلبية والجلي و(قرص الطابي) والزلابية والعسلية والسنبوسة الحلوة، وجميعها تفتح شهية الصائم مع أذان المغرب ومدفع الإفطار. والجميل من العادات البحرينية (نقصة رمضان)، فلا تزال تلك العادة موجودة بين الناس، فيتم تخصيص لقمة من طعام البيت لإرسالها للجار والقريب، وهي دليل التكافل المجتمعي حين تنتقل الصحون بين المنازل قبل المغرب.

من معالم شهر رمضان رؤية مدفع الإفطار وهو يساق من قبل رجال الشرطة إلى مكانه المعهود على شاطئ البحر، وقيل بأن أول من استخدم مدفع الإفطار هم العثمانيين، ويتم استخدامه للإعلان عن مغيب الشمس، والاعلان كذلك لوقت السحور، ولا تزال الكثير من الأسر تفطر على مدفع الإفطار، سواء مباشرة أو عبر التلفزيون حيث يتم نقل شعائر المدفع والأذان إشعارا بغروب شمس ذلك اليوم.

ومن العادات الجميلة التي لا تزال عند الناس بالبحرين هي الزيارات الأسرية والأهلية، فبعد صلاة العشاء والتراويح تتم عملية الزيارة بين الأهل والأقارب، الرجال لهم مجالسهم العامة والخاصة، وكذلك النساء لهم مجالسهن، جلسات تؤكد على الروابط الأسرية وتتخللها الأحاديث والطرائف وتختتم بالغبقات (أكلة آخر الليل).

ومن العادات القديمة والتي لا تزال الكثير من البيوتات تحافظ عليها قراءة القرآن، ففي السابق كانت مجالس لقراءة القرآن، فتوضع المصاحف والأجزاء على طاولة ويتناول كل فرد جزءا معينا لقراءة القرآن، ويتم قراءة دعاء ختم القرآن وتناول وجبة خفيفة، واليوم نشاهد ذلك في الكثير من المساجد والمآتم والمجالس لمزيد من الأجر والثواب.

وفي المناطق القديمة مثل المنامة والمحرق ترى مظاهر شهر رمضان في اهازيج الأطفال، حاملين معهم الطبول والدفوف وهم يرددون الأهازيج الرمضانية مثل (حياك الله يا رمضان)، وهي أناشيد جميلة تسمع في أوائل شهر رمضان المبارك.

ومن العادات القديمة التي لا تزال تشاهد في الشوارع والطرقات هو (المسحر)، حيث يقوم شخص يحمل على أكتافه الطبل لإيقاظ الناس استعدادا لوجبة السحور وصلاة الفجر، وهي عادة قديمة لا تزال تشاهد في مناطق البحرين، فهو يتنقل بين الشوارع والطرقات منشدا (يا نايم صح النوم)، وبعض الأدعية الدينية.

ليلة النصف من رمضان يخرج الأطفال للاحتفال بليلة القرقاعون، فيطرقون الأبواب للحصول على المكسرات والحلويات وبعض النقود، وهي احتفالية تؤكد انتصاف الشهر، فيلبس الأولاد الثياب (الدشداشة والقحفية) ويحملون الطبول والدفوف ومعهم (الفريسة)، وهي مجسم للفرس، والبنات يلبسن الملابس التقليدية (النشل) و(البخنق) المطرز بخيوط الذهب، والجميع يردد أنشودة (قرقاعون عادت عليكم، أوو يالصيام، عطونا الله يعطيكم، بيت مكة يوديكم، يا مكة يا المعمورة) وأنشودة (سلم ولدهم، يالله، يخليه لأمه، يالله، ويجيب المكدة، يالله، ويحطه في كم أمه).

وفي الأيام الأخيرة من شهر رمضان يخرج الأهالي للمساجد لإحياء العشر الأواخر (قيام الليل)، وتحري ليلة القدر، وهناك من يخرج في الأيام الثلاثة الأخيرة لعمل مسيرات الوداع مرددين (يا الوداع، يا الوداع، يا شهر الصيام، يا رمضان).

أيام وليالي رمضان في البحرين بلا شك لها طعم خاص، لذا نرى الحب والتراحم بين الناس، وهذا ما اعتاد عليه الناس في البحرين، فيا باغي الخير أقبل، هذا هو شهر رمضان المبارك.

إرسال تعليق

0 تعليقات