خطبة المثليين والشواذ جنسياً

 

أما بعدُ: فأوصيكم - أيها الناسُ ونفسـي بتقوى الله، فاتقوا اللهَ رحمكم الله، واحذروا الغفلةَ، فالعاقلُ من يرَى العِبَرَ بعينيه، ويسمعُ المواعظَ بأذنيه، والنذيرُ قد وصلَ إليه، الأيّامُ مطايا تحثُّ على أخذِ العدَة قبل حلولِ المنايا، فالزموا الجِدَّ والاجتهاد، وتزوَدوا وخيرُ الزادٍ التقوَى، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)[ق: 37].

عباد الله، الله سبحانه وتعالى لما خلق الخلق جعل فيها شهوات من أجل الرغبة في العيش والحياة والتكاثر واستمرار الحياة، ومن ذلك الأكل والشرب والشهوة الجنسية التي لم يجعل لها إلا طريقاً واحداً مشروعاً للاستمتاع والإشباع، وهو زواج الرجل من المرأة بقصد التعفف بين الطرفين، فيسكن الرجل إلى المرأة، وتسكن هي إليه، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21]، ولا تكون المودة والرحمة إلا برباط طاهر شريف، وميثاق غليظ من أجل التكاثر وبقاء الجنس البشري، قال تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً)[النحل: 72].

أيها الإخوة المؤمنون، إن الزواج والتزاوج هو الأصل لبقاء الخلافة في الأرض، فهي بين جميع مخلوقات الله، فنجدها في البشر والحيوان والطير وجميع الكائنات الحية، قال تعالى: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الذاريات: 49]، هذه هي سنة الله في خلقه، وتلك فطرته في التزاوج والتكاثر، فتأملوا عباد الله في كل الكائنات فهل شاهدتهم ذكراً ينام مع ذكر، أو أنثى تنام مع أنثى، كلا ورب الكون لا يكون، لأنها فطرة رب العالمين.

أيها الناس، مع الأسف الشديد هناك أناس من بني البشر فعلوا ما لا تفعله الحيوانات ولا الطيور ولا غيرها، في تحد سافر للفطرة البشرية التي فطرها الله في الناس، فزهدوا فيما شرعه الله لهم، وتنكروا لأوامر الله، فأنطلق الرجل يشتهي الرجل، ويتمنى ممارسة اللواط معه، والمرأة تشتهي المرأة وتتمنى ممارسة الشذوذ معها، في تحد سافر لفطرة الله.

أيها الإخوة المؤمنون، لقد شهدت البشرية في ماضيها السحيق قوم ارتكبوا الفواحش والموبقات، ومارسوا الشذوذ واللواط، فقد شهد التاريخ عن قوم نبي الله لوط عليه السلام، فقال تعالى في محكم التنزيل: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ)[الأعراف: 80-81]، واستمر نبي الله في نصحهم وتحذيرهم من عقوبة الله لعلهم يرجعون، فوقف لهم يوماً قائلاً: (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ)[الشعراء: 165-166]، ولكنهم عاندوا وتكبروا وأصروا على كفرهم وإصرارهم على فعل الفاحشة:(قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) [الشعراء: 167]، فقد هددوه بالطرد والإخراج إذا استمر في نصحهم، فهل أكتفوا، كلا، بل راودوه عن ضيفه وهو من الملائكة الذين جاء بالعذاب الأليم لهم: (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ)[القمر: 37]، وما زالوا في عنادهم وسكرتهم: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ)[هود: 82].

 عباد الله، الإسلام خاتم الرسالات قد حرم الفعل الشنيع بين الرجل والرجل، وبين المرأة والمرأة، وهو ما يعرف بالشذوذ الجنسي عن الفطرة السوية، وقد قرأنا الآيات المحكمات، وهناك من الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة ما تحذر من هذا الفعل لأن عواقبها وخيمة، فقال عليه الصلاة والسلام: (يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا) [ابن ماجه]، وجاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله: (لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلًا) [ابن حبان)، وقال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من عمل عمل قوم لوط) [النسائي].

 عباد الله، ليس الإسلام وحده من يحرم الشذوذ الجنسي والمثلية، بل جميع الأديان دون استثناء، فجميل الأديان والرسالات تحرم المثلية والشذوذ الجنسي، والقوانين الوضيعة حتى عهد قريب تحرمه، حتى ظهر الشذوذ بالغرب وهو ما يعرف بالمثلية الجنسية، وانتشرت أفلام الإباحية حتى صارت شوكة في الغرب حين أصبحت لها كيانات وجمعيات وممثلين في البرلمانات، وأصبحت لها قوانين تحميها وتدافع عنها، وهيئات ومراكز مالية تدعمها وتنشر ثقافتها، حتى تم مسح كل ما يمس الشذوذ الجنسي والمثلية من مناهجهم وقوانينهم، فتكون في الغرب مذهب جديد، ومدرسة جديدة، وراية وشعار وألوان ترفع في محافل الغرب، مثل كأس العالم، المسيرات والمظاهرات، جميعها تدعو للمثلية والشذوذ الجنسي!!.

 عباد الله، المثلية والشذوذ الجنسي لم يتوقف عند هذه العلاقة، بل إنها أصدرت قوانين في الغرب تبيح زواج الرجل بالرجل، وزواج المرأة بالمرأة، وبشكل رسمي وعلني وتحت رعاية الدولة، وغيرها من أمور تصحيح الجنس، والعلاج بالهرومات البدلية وتبني الأطفال والاعتراف بالأبوة والأمومة للمثلين، فعش رجب ترى عجب!.

أيها الإخوة المؤمنون، فماذا كانت عاقبة قوم نبي الله لوط، قال تعالى: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) [الحجر: 73-74].

 أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد للهِ رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..

عباد الله، قبل أيام قدمت السفارة الأمريكية بالبحرين والكويت التهنئة الحارة والصادقة للمثليين وأصحاب الشذوذ الجنسي، وهو دعم مباشر وصريح لثقافة ترفضها الشعوب العربية والإسلامية، وهذا الرفض مستند لآيات محكمات وأحاديث صريح عن رسول الله، وكذلك للقوانين القائمة في هذه الدول، لذا فإننا نرفض هذه الثقافة، فهي محرمة شرعاً، ولا يمكن تسويغها باي شكل من الأشكال، وهذا السلوك منافي لكل القيم الأخلاقية، والمبادئ الدينية للمجتمع الخليجي والعربي.

فاتقوا الله - عباد الله - واعملوا صالحاً، وسيروا على نهج النبوة، وأصلحوا النشء.

الشيخ صلاح الجودر

خطبة الجمعة بجامع الخير بالبحرين

3 يونية 2022