الزبارة وعلماء آل جامع

 


الزبارة قديماً

التقويم البحريني الجديد للعام الهجري 1443 سيصدر في حلته الجديدة القديمة، فقد جاء توجيه جلالة الملك المفدى حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدّى حفظه الله ورعاه لإصدار التقويم لهذا العام "روزنامة الزبارة والبحرين" وِفقا للمعايير الشرعية والعلمية والفلكية، وامتدادًا للمنهجية التي اعتُمدت في العام 1783م والتي بنى عليها العلامة السيد عبدالرحمن الزواوي "الروزنامة" في تحديد الأوقات الشرعية للصلوات والمناسبات الدينية وغيرها.

والتقويم اعتمد دخول الوقت الحقيقي لصلاة العشاء عندما تكون الشمس أسفل الأفق بمقدار 18 درجة بدلاً من الوقت الاصطلاحي لدخول وقت صلاة العشاء المعمول به في السابق بالمملكة بإضافة 90 دقيقة إلى موعد صلاة المغرب بشكلٍ ثابت طيلة أيام السنة.

والتقويم يهدف إلى زيادة الدقة في تحديد مواقيت الصلوات، وبدايات دخول الأشهر القمرية وخروجها، حيث أثبتت المعايير الشرعية والعلمية والفلكية التي وضعها علماء البحرين الأوائل دقّتها العالية في ذلك، لاسيَّما تلك التي اعتمدت عليها "روزنامة الزبارة والبحرين".

 

وبهذه المناسبة يعاد نشر مقال:

أبن جامع قاضي قضاة الزبارة

صحيفة الأيام البحرينية

عدد 4297 تاريخ 8 ديسمبر 2002م

تأسست الزبارة سنة 1176هـ (1762م) على يد الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة على إثر خراب البصرة بعد هجوم الزنديين عليها سنة 1188هـ (1774م) وتعرضها كذلك لمرض الطاعون سنة 1186هـ (1772م) حتى قيل (خراب البصرة عمار الزبارة) مما تسبب في هجرت القبائل العربية والعلماء ورؤوس الأموال، واتسعت الزبارة في عهد الشيخ خليفة بن محمد بن خليفة آل خليفة التقي الورع الفقيه الأديب الشاعر.

ولقد جاءت إلى الزبارة الكثير من الأسر العلمية من البصرة والزبير والكويت والأحساء ونجد، وقد استوطنوها وذلك لحالة الاستقرار والأمن الذي عم البلاد في ظل أسرة آل خليفة، ومن العلماء الذين قدموا إلى الزبارة ثم إلى البحرين قاضي قضاة الزبارة (الشيخ عثمان بن جامع وابناه أحمد وعبدالله).

 

الشيخ عثمان الجامع

الشيخ عثمان بن عبدالله بن جمعة بن جامع الأنصاري الخزرجي، النجدي الأصل، الزبارة بلداً، طلب الشيخ عثمان العلم في مدرسة الدويحس بالزبير (مؤسس مدرسة دويحس عبدالله الشماس وكان رجلا ثرياً يحب الخير ، فاقترح عليه الشيخ إبراهيم بن جديد أن يترك له ذكراً وعملا ينفعه بعد مماته، فأسس هذه المدرسة وجعل لها أوقافاً من أملاك النخيل في البصرة)، ثم قدم إلى البحرين في سنة 1210هـ (1795م) بعد أن أستتب الحكم لآل خليفة في الزبارة والبحرين، وهو يومئذ قاضي قضاة الزبارة، فسكن الشيخ عثمان وأبنائه المحرق بالقرب من بيت الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، وقد جاء ذكره عند الشيخ محمد بن عبدالله بن حميد في (السحب الوابلة) فقال: (هو الفقيه الورع الصالح، قرأ على الشيخ محمد بن فيروز وغيره فأدرك في الفقه إدراكاً تاماً، ثم طلبه أهل البحرين من شيخه المذكور ليكن قاضياً لهم ومفتياً ومدرساً فأرسله إليهم فباشرها سنين عديدة بحسن السيرة والورع والعفة والديانة فأحبه عامتهم وخاصتهم)، وقال الشيخ محمد بن فيروز:( قرأ على الوالد من مختصر المقنع ثم انتقل إلى الفقه والفرائض والعربية ففتح الله عليه)، وترجم له الشيخ عثمان بن سند (تاريخ الزبير) وأثنى عليه بقصيدة جاء فيها:

إذا قرأ القرآن سالت دموعــــه

إذا أسود جنح الليل قام مصلياً

 

ولاح على الخدين منه خشوعـه

وقعقع من خوف الإله ضلوعـه

    وقد جاور الشيخ عثمان بن جامع الحرمين الشريفين فقرأ الفقه والآداب والمواريث والحساب ففاق مشايخه بلا ارتياب لذكائه، فاستفاد وأفاد من الدروس التي تلقى في المسجد الحرام، وقد كان الشيخ عثمان شاعراً بليغا، وله أبيات جميلة يقول فيها:

 

إلهي بعفوك يا رب أطمــــــــــع

وخذ بيدي ذات اليمين وأعطني

 

فلا تخزني يوماً به الخلق تجمـع

كتابي باليمنى فعفوك أوســـــــع

سكن الشيخ عثمان ومعه أبنائه أحمد وعبدالله في المحرق في عهد الشيخ أحمد بن محمد (الفاتح) آل خليفة فأستقر فيها، وأستلم زمام القضاء والفتيا والتدريس قرابة 30 سنة حتى وافاه الأجل سنة 1240هـ (1825م)، فخلفه أبنه أحمد.

 

الشيخ أحمد الجامع

الشيخ أحمد بن عثمان الجامع، ولد عام 1194هـ (1780م)، وقرأ على أبيه الشيخ عثمان وغيره، ولما كملت أداته من العلم ولي قضاء البحرين بعد والده بالعدل والاستقامة (تولى قضاء البحرين من بعده أبنه الشيخ محمد)، ولكنه ترك القضاء لحوادث داخلية وهاجر إلى الزبير فتولى قضائها، يقول أبن حميد صاحب (السحب الوابلة):

(وقد حج عام 1257هـ (1841م) فاجتمعت به في مكة المشرفة وسألته واستفسرت منه وأجازني ومعه ولداه الشيخ محمد وعبدالله، كانت تبدو عليه إمارات الحلم والعلم، وكان إماماً وخطيباً لجامع النجادة ومدرسا في مدرسة الدويحس، وكان سبب قدومه إلى الزبير أنه على أثر انقراض علمائها بأوبة عمت البصرة والزبير فطلبه أهلوها وكان في البحرين، وكان الشيخ أحمد رجلاً صالحاً ساكناً وقوراً وأظنه قد قارب التسعين).

توفى الشيخ أحمد الجامع في الزبير في العشرين من شهر ربيع الثاني عام 1285هـ (1868م).

 

الشيخ الشاعر عبدالله الجامع

ولد الشيخ عبدالله بن عثمان الجامع بالزبارة سنة 1192هـ (1777م) أيام حكم الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة، فحفظ القرآن الكريم في كتابها، وأخذ العلم عن والده، ثم رحل إلى الاحساء فتتلمذ على يد العلامة محمد بن فيروز فأخذ عنه علم الفقه الإسلامي وأصوله، ثم على يد الشيخ راشد بن محمد بن خنين واخذ عنه علوماً دينية أخرى ، ثم أنتقل إلى خلفه الشيخ عبدالله بن محمد الكردي البيتوشي فأخذ عنه علم النحو وبعض علوم اللغة العربية، ثم شد الرحال إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، ثم إلى اليمن، ثم إلى الشام حيث أستقر في حلب فصحب (أبن رزق) يساعده مساعدة الساعد، فاستفاد رحمه الله استفادة عظيمة من رحلاته العلمية حتى أصبح حجة في رواية الحديث وعلوم القرآن ومعانيه، وقال عنه شيخه عبدالله بن محمد الكردي: (هو من أجل من قرأ عندي وروى زنده من زندي)، وترجم له الشيخ عثمان بن سند فقال: (أنه البليغ في المحاضر والمهيب بالأبصار والسامع)، حتى قال:

لم أجد فاضلا مــــن الناس إلا

اتــلام العلا إذا لازمتــــــــــــه

 

وهو يثنى بملء فيه عليــــه

مثلما لازم السخـــــاء يديــه

تزوج الشيخ عبدالله وسكن بالقرب من بيت سيادي بالمحرق، ورزق من الأبناء عبدالعزيز، وكانت له مكتبة في سوق المحرق قبل أكثر من 70 سنة (تعتبر أول مكتبة بالبحرين)، وعمل الشيخ عبدالله الجامع في تجارة اللؤلؤ فأنطلق من المحرق إلى الهند وجنوب أفريقيا، وفي إحدى سفراته إلى الهند أصاب سفينتهم إعصار مصحوباً بمطر كثيف فغرقت السفينة وغرق من كان فيها وكتب الله له النجاة بعد أن امتطى لوحاً من ألواح السفينة وبقي في البحر ثلاثة أيام حتى مرت به سفينة فأنقذته ونقلته إلى كلكتا بالهند فقال:

تيممت أرض الهند أبغي تجــــارة

وخلفت أصحاب وأهلا ببلـــدة

هي البصرة الفيحاء لا زال ربعــها

فلما علوت اليم في الفلك ارتمـــت

أحاطت بنا الأمواج من كلِ جانـب

وأقبل ريـح صرصر ثم قاصــف

فلمــا رأينا مـا رأينا تطايــرت

نعـج إلى المــولى بانجا نفوسنــا

فأمسكـت لوحاً طافياً فركبتـــه

أقمـت ثـلاثاً ثم ثـلاث بلجــة

فأنجاني الرحمـن مـن كل شــدة

أنشـدت بيتا قاله بعض مـن مضى

نجوت وقــد بل المرادى سيفــه

فلله حمــــدا دائما ما ترنمـت

 

وأرتاد إنجاح الأماني الخوائـــب

سقاها من الوسمي صوب السواكب

خصيباً وأهلوها بأعلى المراتـــب

تسير بنا في لجــةِ كالغياهـــبِ

وكشرن عن أنياب أسود سالــبِ

ترى البرق في أرجائه كالقواضـبِ

قلوب لنا نحو المليك المراقـــبِ

ونسأله كشف الملم المواثـــبِ

وصحبي صرعى بين طاف وراسـبِ

تسير بي الأمواج في كل جانــبِ

تجرعتها والله مولي الرغائــــبِ

أصيب كمثلي والأساطير صاحـب

من ابن ابى شيخ الأباطح طالــب

طيور الأقاصى عند لقيا الحبائــب

 

وترجم له الشرواني في كتابه نزهة الأفراح فقال: (جليل القدر سارت بدائعه في سائر الأقطار سير المثل، فضله الجلي اللامع أنور من البدر الساطع، لسانه ينبوع البلاغة، وبنانه يقطف من خمائله نور البراعة، نظمه الغزير الفائق ارق من فؤاد العاشق).

ومن مؤلفات الشيخ عبدالله الجامع:

·       تأسيس التقديس في الرد على أبن جرجيس.

·       الانتصار في الرد على أبن جرجيس.

·       مختصر بدائع الفوائد.

·       حاشية على شرح المنتهى.

·       مختصر إغاثة اللهفان.

·       رسالة في التجويد.

·       فتاوى وتحريرات تبلغ مجلداً.

وكان الشيخ الشاعر عبدالله بن عثمان بن جامع كثير الترحال بين المحرق والبصرة والزبير ولكنه توفى في المحرق ودفن فيها سنة 1278 (1863م).

 

إرسال تعليق

0 تعليقات