جذور التسامح العالمي
بقلم: صلاح الجـــودر
الشعوب والمجتمعات التي
تحتفل مع دول العالم بالمناسبات الإنسانية هي الشعوب المتحضرة التي تصنع الحضارة البشرية
من خلال المبادرات والمشاريع المتجددة، ولعل من أبرز المناسبات التي تتفق وتسير
ضمن نسق اجتماعي واحد هي يوم السلام العالمي الذي يصادف يوم الحادي والعشرين من
سبتمبر، ويوم التعايش العالمي الذي يصادف السادس عشر من مايو، ويوم التسامح
العالمي الذي يصادف السادس عشر من شهر نوفمبر من كل عام، وهو اليوم الذي اعتمدته
ودشنته هيئة الأمم المتحدة في العام 1996، فتحتفل به أكبر المنظمات الأممية
بالشراكة مع الدول الأعضاء لتعزيز الأمن والاستقرار الدوليين.
والبحرين العضو في هيئة
الأمم المتحدة منذ استقلالها وهي تؤمن بقيم السلام والتعايش والتسامح، وقد تجلت
تلك الصور في العهد الزاهر لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة وذلك من خلال
خطاباته السامية التي يؤكد على أهمية العلاقات الاجتماعية، والقوانين والتشريعات
التي صادق عليها، ففي البحرين البشر متساوون في الحقوق والواجبات، بين المواطن
والمقيم والوافد، وهذا ما شاهده الجميع خلال الرعاية الصحية التي حظي بها الجميع
أثناء جائحة كورون المستجد (كوفيد 19)، فقد نال الجميع الرعاية الصحية دون النظر
إلى هويته أو جنسيته أو لونه، حتى نالت البحرين الإشادات الدولية.
يوم التسامح العالمي
الذي يصادف يوم السادس عشر من نوفمبر جاء في إعلان المبادئ الذي اعتمدته اليونسكو في عام 1995 (التسامح يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوع
الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا)، فمنذ ذلك اليوم والعالم
بأسره يسعى لتعزيز القيم الإنسانية الراقية، فالتسامح لا يعني اللين أو التنازل أو
عدم المبالاة، ولكنه يعني الاحترام والتقدير بين الناس، فهو واجب أخلاقي، وشرط
أساسي في بناء المجتمعات!!.
الاحتفاء هذا العام
بيوم التسامح العالمي يختلف وبشكل كبير عن الأعوام الماضية، ففي هذا العام 2021
يتجه العالم إلى مرحلة التعافي من جائحة كورونا المستجد والذي توحد لمواجهة
الجائحة، وقد استطاع من مواجهتها والحد من خطرها بشكل كبير، ولكن آثارها
الاقتصادية لا تزال كبيرة ومؤلمة، لذا هو في حاجة للعمل بشكل جماعي للتخفيف من
الآثار الاقتصادية التي ضربت العالم، ولا يكون ذلك إلا من خلال العلاقات البشرية
القائمة على قيم السلام والتعايش والتسامح.
الذكرى السنوية
للتسامح لها رمزية كبيرة لدى الشعوب المتحضرة، فتستفيد من الذكرى في توعية وتثقيف
المجتمعات بأهمية التسامح والتعايش والسلام بين مكونات المجتمع
رغم اختلاف الثقافات، فيتساوى الجميع تحت سقف الدولة وقوانينها، الدولة المدنية
التي لا مكان فيها لمصطلحات الأغلبية والأكثرية والأقدمية، الجميع متساوون في
الحقوق والواجبات، وهذا ما هو عليه المجتمع البحريني الذي أصبح نموذجاً في التسامح
والتعايش والسلام، ومن يعيش في العاصمة المنامة أو مدينة المحرق أو غيرها يرى تلك
الصور ماثلة أمامه في المساجد والمآتم والكنائس والمعابد والمقابر، جميعها في محيط
واحد يمثل التعايش السلمي المنشود في الكثير من الدول والمجتمعات.
ما تحقق في
البحرين في مجال التسامح والتعايش والسلام هو ثمرة وعي وفلسفة جلالة الملك حمد بن
عيسى آل خليفة الذي آمن بفكرة التعايش السلمي لحماية المجتمعات من الإيدلوجيات
العنفية والمتطرفة، وقد تجلى الفكر النير في مقالة لجلالة الملك المفدى نشرتها
صحيفة واشنطون بوست الأمريكية في السابع عشر من أكتوبر من العام 2017م، حيث قال
فيها: (إن من المهم أن يتعرف العالم كما تعرفت البحرين على جمال هذه الاختلافات
بين البشر)، وهذا ما استطاعت البحرين من تحقيقه، وأخفقت دول ومجتمعات من ذلك، وما
تحقق ذلك إلا للرؤية الملكية السامية، فقد
جاء في أحد خطب جلالة الملك المفدى بمناسبة اليوم العالمي للتسامح: (من
يجول في البحرين ويشاهد مكتسباتها الحضارية سيدرك حتماً أنها لم تُبنى إلا بقيم
أصيلة صارت سمة من سماتها المميزة، قامت بلادنا العزيزة على التسامح والانفتاح
والمحبة والتعايش)، وهذا ما يميز المجتمع البحريني عن غيره.
من هنا فإن هذه
الذكرى (يوم التسامح العالمي) هي مناسبة تدعو فيها الأمم المتحدة جميع الدول
الأعضاء والمؤسسات والمنظمات إلى الاحتفاء باليوم العالمي للتسامح، وتبصير الناس
لأهمية التسامح بينهم عسى أن يحل السلام الأرض ويعيش الإنسان في أرض الله بأمن
واستقرار.
صحيفة الأيام البحرينية
0 تعليقات