خطبة التسامح ومسؤولية المجتمع



خطبة التسامح ومسؤولية المجتمع

الشيخ صلاح الجودر


أيها الإخوة المؤمنون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فإن التقوى هي خير زاد وهي خير وصية، فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واجتنبوا نهيه ولا تعصوه، وتقربوا إليه بما ينفعكم في دنياكم وأخراكم، قال تعالى(يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللهَ ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا اللهَ إن اللهَ خبير بما تعملون)[الحشر: 18].

عباد الله، لقد أرسل الله تعالى لهذه الأمة نبياً ورسولاً يأمر بالعدل والقسط والإحسان، وينهى عن الظلم والجور والعدوان، قال تعالى: (هو الذي بعث في الأمين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهُم الكتابَ والحكمةَ وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبين) [الجمعة: 2]، نبي هذه الأمة يدعو للتسامح والتعايش بين البشر باختلاف معتقداتهم ومناهجهم وألوانهم وألسنتهم(لا فرق لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى)، فالجميع من نفس واحدة قال تعالى: (يا أيُها الناسُ اتقُوا رَبَكمُ الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ) [النساء:1].

والمنطقة العربية اليوم - عباد الله - هي في أمس الحاجة لنشر ثقافة التسامح والتعايش، فالصراعات في المشهد السياسي  منشئها التعصب الديني، والتسامح هو نقطة الارتكاز في تلك العلاقات، والإسلام قد ربى أتباعه على ثقافة التسامح مع المختلف، فقد جاء عن نبيكم محمد  انه قال: (دخل رجل الجنة بسماحته) صحيح الترغيب والترهيب للألباني.

عباد الله، الإسلام هو الدين السماوي الذي دعا أتباعه إلى نشر تلك الثقافة، وفتح آفاق الحوار مع المختلفين من خلالها، (ولا تُجادِلُوا أهـلَ الكتابِ إلا بالتـي هي أحسنُ إلا الذين ظلمُوا منهُم وقُولُوا آمنا بالذي أُنـزِل إلينا وأنزِل إليكُم وإلهُنا وإِلهُكُم واحِد ونحنُ له مُسلِمُون) [العنكبوت:46].

أيها الإخوة المؤمنون، المدينة المنورة صورة حقيقة للتسامح والتعايش الديني، فقد جمعت المسلمين واليهود وغيرهم، وقد روي أن النبي كان يشارك أهل الكتاب ولائمهم، ويقبل هداياهم، ويعود مرضاهم، ويشيع جنائزهم، فقد مروا على رسول الله  بجنازة، فقام لها واقفا، إكراما للميت، فقال له الصحابة: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي!، فقال: (أليست نفسا؟!) [البخاري ومسلم]، وذكر أن وفد نجران (وهم من النصارى) لما قدموا على الرسول  بالمدينة، دخلوا عليه مسجده بعد العصر، فكانت صلاتهم، فقاموا يصلون بمسجده، فأراد الناس منعهم، فقال رسول الله : (دعوهم) فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم. ويرسل إلى عظيم الروم خطاباً تسامحياً يدعوه إلى الإسلام: (بسم الله  الرحمن الرحيم من محمد بن عبدالله   إلى هرقلعظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإنى أدعوك بدعوة الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم جميع الأريسيين).

عباد الله، لقد سار الصحابة وآل بيت النبي على هذا الهدي النبوي الشريف، فهذا الخليفة الراشد الفاروق عمر بن الخطاب يأمر بصرف معاش دائم ليهودي وعياله من بيت مال المسلمين، ويقول: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) [سورة التوبة: 60]، ويعطي نصارى بيت المقدس وثيقة التسامح والتعايش، والمعروفة بالوثيقة العمرية، وأبرز بنودها (أن لا تسكن مساكنهم ولا تهدم كنائسهم ولا ينقص من أموالهم شيء ولا يكرهون على دينهم).

عباد الله، لقد تجلت صور التسامح في آل بيت النبي، فهذا الإمام الحسن رضي الله عنه يقول عنه جده رسول الله : (إن ابني هذا سيد ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)، وقد حقن الإمام الحسن دماء المسلمين حين بايع معاوية بن أبي سفيان على الخلافة.

أيها الإخوة المؤمنون، لقد أكد الإسلام على التسامح الأخلاقي، قال تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) [النحل:125]، وقال: (ادفع بالتي هي أحسن) [فصلت:34].

عباد الله، إننا اليوم في حاجة ماسة لإشاعة ثقافة التسامح بين الناس، بإحترام معتقداتهم وثقافاتهم وأفكارهم، فعلى الجميع إشاعة هذه الثقافة التسامحية بالزيارات واللقاءات والحوارات، فهي بوابة الأمن والإٍستقرار بالمنطقة.

أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


جامع الخير قلالي - البحرين

21/2/2024

 

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات