من أجل أبناءكم أشيعوا التسامح بينكم
بقلم: صلاح الجـودر
قبل أيام قليلة كان لنا حوار آخر، حوار مختلف، حوار يفتح آفاقاً
جديدة في العلاقات بين البشر، ويعكس الصورة الحضارية لهذا الوطن الذي تتمازج فيه
الديانات والمذاهب والثقافات، فبدعوة كريمة من القس هاني عزيز راعي الكنيسة الإنجيلية
الوطنية والسيد يوسف بوزبون صاحب الفكرة والمنسق العام نظمت ندوة حضارية تحت شعار(البحرين
وطن التسامح والتعايش)، حيث التقى أصحاب السعادة والفضيلة والقداسة من أجل تدارس
أحوال الوطن، والأمة العربية، والعالم بأسره الذي أصيب بلوثات العصر وسموم القرن
الجديد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م.
ففي الوقت الذي تعاني فيه شعوب العالم من موجات العنف والتخريب والتدمير والإرهاب التي طالت الأفراد والبيوت والمساكن والمساجد والكنائس والمعابد جاء المعنيون بالشأن الديني في هذا الوطن ليوقدوا باجتماعهم الإنساني شمعة لأبناء هذا الوطن، وليؤكدوا على وحدتهم وتماسكم وتسامحهم، وأن هذا الوطن يشهد حالة فريدة من التسامح والتعايش، نعم هم بعيدون عن ما ابتليت به الكثير من شعوب العالم ولكن درءا للفتن وإغلاقا لباب المحن كان هذا اللقاء، فدرهم وقاية خير من قنطار علاج.
المشاركون كانوا من مختلف الديانات والمذاهب والثقافات، وهو دليل على نجاح هذه المبادرة وحاجة الناس إليها، والتي شبهها أحد الحضور بأنها كالماء الذي نزل على الأرض بعد طول غياب، فالمشاركون وغيرهم كثير يسعون كل من موقعه وحسب قدراته لتعزيز صور التسامح والتعايش والحوار في هذا الوطن، بعيداً عن العنف والإكراه (لا أكراه في الدين)، فكم كانت الأمسية جميلة حينما وقف الجميع للنشيد الملكي، وكم سعد المشاركون وهم يستمعون إلى تلك الكلمات الارتجالية أو المكتوبة التي تتحدث المشروع الإصلاحي لجلالة الملك وعن تلك الثقافات المتأصلة في هذا الشعب منذ مئات السنين، ثماني كلمات خطابية أدارها باقتدار عريف الحفل السيد يوسف حيدر، فتحدث كلا من القس هاني عزيز والشيخ راشد المريخي والسيدة أليس سمعان والشيخ المقداد أصغر زين الدين والأرشمندريت أفرام الطعمي وفضيلة الشيخ ناصر بن أحمد العصفور والقس ألن هايداو والقس صموئيل وكاتب هذه السطور.
جميعهم أتباع ديانات سماوية ورسالات إلهية، يدينون لله تعالى، ويؤمنون بأنبياء الله ورسله(لا نفرق بين أحد من رسله) لذا جاء اجتماعهم بتكليف إلهي لتعمير الأرض وإسعاد البشرية، قال تعالى(إني جاعل في الأرض خليفة)، فالحشد الكبير الذي شارك في فعالية التسامح والتعايش كان من مختلف الأديان والمذاهب والثقافات ممن يؤمنون بأن الحوار هو السبيل الأمثل لعلاج سموم وأدواء القرن، من عنف وتخريب والتدمير وإرهاب، لذا كانت علامات الفرح والسرور والاستحسان ظاهرة على وجوه الحاضرين.
لا يختلف اثنان على أن الحالة الغريبة التي يعشها عالم اليوم هي جراء أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م وما تلاها من تقسيم العالم إلى فسطاطين( إما معي أو ضدي)، وبرامج ومخططات لتغير هوية المنطقة الجغرافية، الأمر الذي جعل المتشدد أكثر تشدداً، والإرهابي أكثر إرهابياً، والدموي أكثر دموية، بل أصبح أهل الاعتدال والوسطية بين ناريين لأن العالم لا يعرف إلا لغة الحرب والصدام.
وفي إجابة لنا في أحدى القنوات الفضائية التي شاركت في تغطية ندوة التسامح والتعايش أشرنا أن هذا اللقاء قد أرسل رسالتين واضحتين، الأولى أن هذا اللقاء الديني والشعبي ينسجم مع دعوة جلالة الملك لتعزيز صور التسامح والتعايش سواءً من خلال دعوته لإنشاء مرصد للحوار الديني أو من خلال دعوته في الأمم المتحدة لإنشاء أمانة عامة للحوار بين الأديان ويكون مقرها هنا في المنامة.
الأمر الآخر هو أنه إذا كنا قد أقمنا ندوات التسامح والتعايش مع المختلفين معهم دينيا، فمن باب أولى أن نقيم ندوات التسامح والتعايش مع المتفقين معهم في الدين الواحد حتى وإن اختلفنا مذهبياً أو طائفياً أو عرقياً، ولكن يبقى أمر واحد وهو أن دعوة التسامح والتعايش ليست مفروشة بالورد والرياحين، فأصحابها يتعرضون كما تعرض الأنبياء والصالحين من قبلهم إلى الأذى، فهم يتعرضون في المجالس والمنتديات إلى سهام التكفيريون، ورماح والإرهابيون، ومشانق أعداء البشرية، لذا فإن الداعي للتسامح والتعايش يتعرض إلى الكثير من الأذى ولكنه في النهاية يفرش الأرض للآخرين للعيش فيها بسلام، لذا جاء في كلمة القس هاني عزيز بأن الداعي للتسامح والتعايش كالنخلة التي تتعرض للحجارة فتسقط البلح ولكن تمسح الحجارة حتى لا تسقط على رؤوس راميها، فنرجو أن نكون ممن صدق فيهم قوله تعالى: (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن)[النحل:125].
صحيفة الأيام البحرينية
الأيام عدد 7177 تاريخ 2-12-2008
0 تعليقات