إيران وإسرائيل واللعب على الطاولة
الكاتب صلاح الجودر
يعجز الكثير من المحلليين والمثقفين من تحديد بوصلتهم في الصراع الدائر اليوم بين إسرائيل وإيران على الأراضي العربية، غزة ولبنان، فقد انتقلت المواجهة بين الطرفين من مرحلة الحرب الباردة إلى المواجهة الساخنة واللعب على الطاولة، فقبل عام تقريباً كان الحديث عن طوفان الأقصى الذي تبنته كتائب حركة حماس بدعم من إيران، واليوم تحول الصراع إلى المواجهة المباشرة بين الدولتين، ولكن هناك تساؤل كبير يثار اليوم في الشارع وهو لماذا تحركت إيران وشنت هجومًا صاروخيًا كبيرًا على إسرائيل بعد ضرب حزب الله وتصفية قياداته واغتيال رئيس الحزب السيد حسن نصر الله، ولم تتحرك لمساندة حركة حماس في غزة والانتقام لاغتيال رئيس الحركة إسماعيل هنيئة في طهران؟!.
قبل مقتل قائد حزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله جاء في مقابلة للسيد محمد الحسيني الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي، الشخصية العروبية حتى النخاع، ولي به معرفة شخصية قديمة، فهو لم يتغير رغم ما تشهده المنطقة من تغيرات، ولكن ما فاجأني هو حديثه عن اللحظات الأخيرة من حياة حسن نصرالله، ونصيحته بأن يكتب وصيته وكأنه على علم بعملية اغتياله، أو تصفيته، أو استهدافه على أقل تقدير، وكانت نصيحة واضحة وصريحة لمكانة السيد الحسيني الدينية، ولكن (ولات حين مناص) «ص: 3».
والمتأمل في أوضاع المنطقة بعد عام كامل من طوفان الأقصى يرى بأن المنطقة برمتها على أبواب حرب إقليمية قد تعيد رسم المنطقة من جديد، بلا شك هناك دول خاسرة فيما يجري، ولكن هناك من سيأكل الكعكة! والغريب أن الصراع الدائر اليوم بين إسرائيل وإيران هو على أراضٍ عربية، فدول المنطقة وشعوبها ترفض الحرب والقتل والتهجير، واجتياح غزة والجنوب اللبناني بلا شك هو ضربة قاصمة للنظام الإيراني لفقده أقوى أذرعه بالمنطقة، حماس وحزب الله، ولكنه في ذات الوقت هو لا يزال يلعب على أراضٍ عربية، وكأن الطرفين (إيران وإسرائيل) يرفضون الحرب على أراضيهم، فالتهديدات بحرق العواصم (تل ابيب وطهران) يكشف أن ذلك لابد أن يكون له تمهيدًا بضرب الكثير من الدول العربية القابعة في منطقة الهلال الخصيب، وقد قيل قديمًا: (لاقونا ونلاقيكم)، بمعنى أن المعركة الفاصلة بين الطرفين في أرض ليست أراضيهم، فهي أراضٍ عربية!.
فإسرائيل وإيران خلال السنين الأربعين الماضية كانتا في مرحلة الاعداد للقدرات العسكرية، وكلا الجانبين له معسكره الذي يعول عليه، فمع إن إسرائيل تمتلك القدرة العسكرية الكبيرة المدعومة من أمريكا نجد أن النظام الإيراني استطاع من تطويق إسرائيل بأذرعه الإرهابية في العراق وسوريا واليمن وغزة، وأقواهم في لبنان الذي يمتلك ثلاثين ألف مقاتل وترسانة أسلحة كبيرة من صواريخ ومسيرات في الجنوب، لذلك سارعت إسرائيل إلى تحجيم أذرع إيران بالمنطقة من خلال استهداف كوادرها، وأبرزها حادثة (البيجرات) التي استهدفت ثلاثة آلاف قيادي بحزب الله، وكان واضحاً هو إخراج حزب الله من معادلة المواجهة ولو بشكل مؤقت، وعزله عن حركة حماس التي انتظرت كثيراً المساندة من حزب الله والنظام الإيراني دون فائدة!.
المؤسف أن ضحايا الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل هما الشعب الفلسطيني واللبناني، فبعد أن حققت إسرائيل انتصارًا باجتياح غزة توجهت إلى الجنوب اللبناني، لذا يتساءل الكثير من اللبنانيين عمن يتحمل مسؤولية التصعيد في أراضيه دون علم من الدولة الغائبة عن الساحة رغم المناشدات العربية الحثيثة بالخروج من هذا المأزق!!.
لذا فإن تفكيك خيوط الصراع بالمنطقة لابد أن يكون من الداخل، ومن أبرز الحلول هي التي تقدمها الشقيقة الكبرى السعودية باستمرار، فهي مؤمنة بقيام الدولتين، وقد صرحت عن ذلك كثيرًا، ولكن المؤسف أن هناك من يريد عرقلة مساعيها، فقبل أيام أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان عن مبادرة لوقف نزيف الدم ورفع راية السلام من جديد، وذلك من خلال التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين، حيث قال: (إن تنفيذ حل الدولتين هو الحل الأمثل لكسر حلقة الصراع والمعاناة، وإنفاذ واقع جديد تنعم فيه المنطقة، بما فيها إسرائيل، بالأمن والتعايش)، فهل يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته، والدفع من أجل وقف نزيف الدم والدمار؟!..
صحيفة الأيام البحرينية
0 تعليقات