التهجير والنزوح بعد فقد الأمن
بقلم الكاتب صلاح الجودر
أبشع صور الخروج من الوطن هي الهجرة القسرية، فطالما الشخص في وطنه، بين أهله ومجتمعه لا يشعر بأهمية العيش والأمن والاستقرار، ولا يهتم لنعمة الحياة الكريمة التي فقدتها الكثير من الدول، ولكن حال ما يخرج مهاجرًا أو نازحًا فإن ذلك أقسى ما يعانيه، فقد يسافر الفرد للدراسة أو العمل أو السياحة وسرعان ما يعود، فباب العودة لوطنه يكون مفتوحًا له، ولقاؤه بالأهل والأقارب والأصدقاء يكون متاحًا دون عناء، ولكن في حالة الحروب والصراعات فإن مصير عودته يكون غامضًا، إن لم يكن مستحيلاً، لذا من الأجدر بالدول الآمنة، والمجتمعات المستقرة تعزيز أمنها واستقرارها، وعدم فتح الأبواب والنوافذ للرياح والسموم من الدخول إليها. والمنطقة العربية خلال الأعوام التي أعقبت ما يعرف بـ(الربيع العربية) تعرضت لموجهات من الهجرات البشرية غير المسبوقة، بسبب الصراعات والحروب والتدخلات الخارجية، فلسطين والعراق وسوريا ولبنان واليمن والسودان وليبيا، كل تلك الدول وغيرها شهدت نزوحًا بشريًا كبيرًا تجاه أوروبا وأمريكا، وأعداد المهاجرين والنازحين من الصراعات والجوع والاضطهاد كان بالملايين، ووفقًا لإحصائية مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين (UNHCR) فإن هناك أكثر من 82.4 مليون شخص نزحوا قسرًا عن ديارهم بسبب النزاعات والاضطهاد في جميع أنحاء العالم بحلول العام 2021، ووفقاً لتقرير الأمم المتحدة فإن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شهد حوالي 9.7 مليون لاجئ في المنطقة حسب إحصائية 2020، ويعتبر اللاجئين الفلسطينيين في مقدمة اللاجئين حسب إحصائية العام 2021، فهناك أكثر من 5.7 مليون لاجئ فلسطيني مسجل يعيشون في لبنان وسوريا والأردن وقطاع غزة والضفة الغربية. فرحلة النزوح والهجرة قاسية بكل المقاييس، وهي رحلة مؤلمة ومتعبة، وقد شهد البحر الأبيض المتوسط حالات من الغرق للقوارب المطاطية التي تعبر الحدود، فالنازحين والمهاجرين يخاطرون بأنفسهم وأهليهم في سبيل البحث عن مكان آمن مستقر، فانتقالهم من وطنهم إلى وطن آخر مجهول صورة من صور الإذلال والإهانة، فيتعرضون في رحلتهم القسرية للاستغلال، والتجارة غير الشرعية، والعنف والاغتصاب، وإذا ما استقر بهم المقام في بلد فإنهم يتعرضون للتهميش والعنصرية والتمييز، علاوة على ذلك يتعرضون إلى ظاهرة الاتجار بالبشر، والاستغلال الجنسي، ولربما يتم تجنيدهم في أعمال إرهابية!!. في عالم السياسة تتحول معاناة المهاجرين والنازحين إلى ورقة للضغط والمساومة، والإشكالية إن أصحاب المعاناة يكونون آخر من ينظر إليهم، أو يهتم بهم، فرغم ظروفهم الصعبة إلا أن المنظمات الإنسانية لا تقدم إليهم إلا الفتات، فلا يصل إلى أيديهم إلا ما يسمح له بالوصول، فيتم إسقاط الأغذية من الجو، أو عبر شاحنات الإغاثة ليتصارع الناس لالتقاط لقمة عيش تسد الرمق!. من يتأمل في المهاجرين والنازحين في العالم، أو يتابع أخبارهم في نشرات الأخبار يعتصره الألم والحسرة لحالهم، ولكن البعض منهم كان سببًا في ضياع أوطانهم حينما ساهموا في نشر الفوضى والخراب، وجعل الغريب يتدخل في شؤونهم الداخلية، ويشارك في قرارهم السياسي، ويحول أبناءهم إلى أداة طيعة لتنفيذ أجنداته التدميرية، لذا لن يتغير الحال، ويعود أبناء الوطن المهجرين والنازحين إلا بعد أن يعترفوا بتقصيرهم في حق وطنهم، هنا يمكن أن يكون التصحيح لعودة الوطن لأبنائه! لذا الدروس والعبر كثيرة ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ولا يتفكرون، ولا يتدبرون.
صحيفة الأيام البحرينية
العدد 12916 الأحد 18 أغسطس 2024
0 تعليقات