المناضل الشملان


المناضل الشملان إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع

الكاتب: صلاح الجودر


المحامي أحمد الشملان الذي رحل عنا في هذا الشهر (ذي الحجة - يونيو) 2023 لم يكن شخصًا عاديًا يمكن للأيام أن تطوي صفحته من الذاكرة، ولكنه كان قامة وطنية كبيرة محفورة في التاريخ، فقد جمع بين النضال والقانون والشعر والأدب، وفوق ذلك كله أخلاقه العالية الرفيعة التي يشهد له الداني والقاصي، لم يتأخر يومًا عن أداء واجباته الاجتماعية، فكان مشاركًا لأبناء الوطن في أفراحهم وأتراحهم، لذا رحل وظلت سيرته العطرة شاهدة على ذلك العطاء.

لم أكن من جيل المناضل المحامي أحمد الشملان، فالفارق العمري بيني وبينه كبير، ولكني تعرفت عليها في آخر سنين حياته حين انخرطت في العمل السياسي، وكنت قريبًا من القيادات السياسية التي جمعتني بهم لقاءات خاصة وعامة، وزادت العلاقة مع المحامي الشملان في مجلسه ومنزله الخاص بمنطقة عراد، فكان اللقاء الأسبوعي معه ومع رفاق دربه بعد صلاة الجمعة بمجلسه بحضور زوجته الكريمة فوزية مطر، فكان اللقاء مع بعض المنتمين للجمعيات السياسي فتأخذني معهم بعض المناكفات السياسية، ورغم ذلك كان الهدوء والصمت والتبسم هو عنوان المناضل الراحل رحمه الله، وهي الصفة التي تفتقدها الكثير من النخب السياسية.

المحامي الشملان في مجلسه الأسبوعي كان الصراع السياسي ظاهرًا بين فرقاء العمل السياسي، تحديدًا إثر أحداث العام 2011 حين أطلت فتنة (الربيع العربي) وحاول البعض استثمارها للاستحواذ على المشهد السياسي، في تلك الأجواء كان مجلس المحامي أحمد الشملان مفتوحًا على مصرعيه، وكان يجلس في ركن المجلس مستمعًا للآراء السياسية المتباينة، وحين يحتد النقاش وترتفع نبرات الأصوات يقوم لتقديم واجب الضيافة، مكسرات وكعك وشاي وقهوة، ترافقها الابتسامة الجميلة الهادئة، وكأنه يرسل رسالة للجميع (اختلفوا ولكن لا تباغضوا).

رغم الاختلاف الأيدلوجي مع المحامي أحمد الشملان إلا أنه كان من الأصدقاء المقربين، لم ينقطع يومًا عن التواصل أو الزيارة أو السؤال، وكذلك العظماء من الناس، ورغم ظروف المرض والاصابة إلا أنه بعد التشافي عاد ليمارس حياته العادية وزيارة الناس، فكان على تواصل مستمر مع الأصدقاء والمعارف، لذا رحيله قد ترك أثرًا عميقًا مؤلمًا بالنفس، وجرحًا غزيرًا في الذاكرة الوطنية، وذلك لمواقفه المشرفة النبيلة، فرغم مواقفه السياسية التي لم يستوعبها البعض إلا أنه لم يحمل في قلبه حقدًا أو غلًا على أحد، جالسته كثيرًا ولم اسمع منه تطاولًا أو سخرية على أحد، كان التقدير والاحترام لكل الناس، رغم الاختلاف معهم، وهي صفة وجدتها في القلائل من البشر.

سيرته السياسية والنضالية كانت طويلة وعسيرة وصعبة، ومر خلال تلك السنوات بمنعطفات كبيرة، بين سجن ومنفى وهجرة وعودة من جديد، فعاد إلى الوطن الذي كان يسكن داخله حتى أصيب بالجلطة والغيبوبة ليعود يعدها معافى، وليمثل الإنسان البحريني الطيب، الإنسان الذي فوق الفروق الدينية والاجتماعية، فلم يتعامل مع الناس يومًا حسب معتقدهم أو طائفتهم أو انتمائهم، لقد تعامل مع الجميع بذات الميزان، ميزان التساوي والمساواة.

وإن كان من كلمة فهي لزوجته ورفيقة دربه فوزية مطر (أم خالد) التي رافقته في مشوار حياته، بكل محطاتها النضالية والقانونية والأدبية، فقد رافقته طوال السنين التي تجاوزت الخمسين عامًا، شكرًا لما قمت به لهذا الرجل الوطني الشريف، فكل العزاء لها ولأبنه خالد وابنته سبيكة، وأسرة الفقيد، نسأل الله له المغفرة والنعيم المقيم، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا (فإنا لله وإنه إليه راجعون).

صحيفة الأيام البحرينية العدد 12510 الأحد 9 يوليو 2023 

إرسال تعليق

0 تعليقات