مقدمة كتاب التسامح والتعايش

 


الصورة الأخ محمد يوسف الجودر والدكتور عبدالله الحواج


مقدمة كتاب التسامح والتعايش في جنة دلمون

الباحث الشيخ صلاح بن يوسف الجودر


فــي زمننــا الراهــن أصبحــت قيم «التعايــش» و«المحبــة» و«السلام» و«التسـامح» مفقـودة أو عرضـة للاختطـاف مـن قبـل مـن يسيسـها لأغـراض بعيــدة وبدرجــات متفاوتــة عــن مقاصدهــا، نعــم هــي قيــم مفقــودة فــي مرحلـة تتميـز بالأيدولوجيـات العنفيـة المتطرفـة التـي تجتـاح ثقافتنـا وتربيتنـا وســلوكنا بكثــرة، نعــم هــي قيــم ومبــادئ مختطفــة مــن قبــل سياســيين يســتخدمونها رداء أســود لتحقيــق مــآرب غيــر ذات صلــة بالتعايــش.


أمــام هــذا الواقــع المتشــنج يبقــى هنــاك تســاؤل كبيــر: هــل مــن ســبيل إلــى اســتعادة تلــك القيــم لتتوطــن مجــددا فــي ثقافــة العــرب وتربيتهــم وســلوكهم؟، وهــل بعــد اســتعادتها مــن ســبيل لأن تنمــو فــي مجتمعاتنــا وتنتــج شــبابا  وشــابات  متشــبعين  بقيمهــا؟،  فالراشــدون  والراشــدات  لا يختلفــون علــى أنــه يجــب علــى عقلاء الأمــة نشــر ثقافــة التســامح ومــا تمثلـه مـن أخلاقيـات وسـلوكيات راقيـة تـؤدي فـي النهايـة إلـى إقـرار التعايـش السلمي والتعدديــة الدينية والتنــوع، فالدعــوة للتســامح - بـلا شــك - مســؤولية أمميــة، خصوصــا إذا مــا اســتذكرنا المواثيــق الإنســانية الكونيــة وتعهداتهــا لتحقيــق هــذا الغــرض.


فبعـد صـدور ميثـاق الأمـم المتحدة في سـان فرانسيسـكو 26 يونية 1945 ثـم صــدور الإعلان العالمــي لحقــوق الإنســان فــي 10  ديســمبر 1948، وصــولا إلـى إعـلان اليونسـكو بشـأن التسـامح عـام 1995 والدعـوة للاحتفـال باليـوم العالمـي للتسـامح فـي 16 نوفمبـر مـن كل عـام، أصـدر فولتيـر (فرانسـوا ماري آروويــه واســم الشــهرة بالفرنســية فولتيــر، 1696 - 1778، كاتــب وفيلســوف فرنســي عـــاش فــي عصــر التنويــر، وذاع صيتــه بســبب ســخريته الفلســفية ودفاعــه عــن الحريــات المدنيــة خاصــة حريــة العقيــدة، والمســاواة وكرامــة الإنســان) فــي العــام 1763 كتابــا يدعــو فيــه إلــى أخلاقيــات التســامح (رســالة فـي التسـامح)، وقبـل هـذا وذاك جـاء ديننـا الإسلامي قبـل ألـف وأربعمائـة عام ليؤكـد علـى تلـك القيـم، لاسـيما التسـامح الدينـي بيـن الشـعوب والأمـم، كل تلــك التعهــدات مــن الإنســان لأخيــه الإنســان قــد عــززت معنــى مدنيــة الدولــة التـي تسـعى إلـى وضـع مسـافة واحـدة بيـن أتبـاع الأديـان والمذاهـب والطوائـف والأعـراق مـن أجـل تحقيـق مجتمـع قائـم علـى أسـس المواطنـة.

مـن هـذا المنطلـق جـاء الكتـاب ليؤكـد علـى جوهريـة ثقافـة التسـامح بيـن الشـعوب والمجتمعـات مـن خلال عـرض تجربـة عاشـها مؤلـف الكتـاب شــخصياً، وعــاش معهــا آلامهــا وآمالهــا والتــي امتــدت لأكثــر مــن عشــرين عامـاً، سـعى خلالهـا جاهـداً إلـى نشـر التسـامح وزرع بـذور التعايـش والمحبـة والسـلام فـي تربـة مجتمعـه، سـيجد القـارئ أن هـذا الكتـاب ينقسـم إلـى عـدة فصــول تــدور رحاهــا حــول تجــارب فــي التســامح والتعايــش والسلام، الفصــل الأول: التســامح والبدايــات الإنســانية، الفصــل الثانــي: قــوى التطــرف والإرهــاب، واختتمهــا بالفصــل الثالــث: مبــادرات عمليــة وتجــارب إنســانية ذات غايــات ومقاصــد ســامية مــن أجــل وضــع أســس التســامح وتشــييده مبنــى ثقافيــاً الغنــى لأي مجتمــع عنــه.


القــارئ ســيرى ثالثــة أمــور مهمــة فــي البحــث، الأول وهــو أن الكاتــب قــد وضــع فلســفته ورؤيتــه حــول التســامح والتعايــش والسلام فــي الفصليــن الأول والثانــي، واســتطرد فــي ذلــك بهــدف التعزيــز بالأدلــة الشــرعية والقوانيــن الدوليــة والأعــراف المجتمعيــة، أمــا الفصــل الثالــث فقــد تعــرض لتجــارب ومبــادرات عاشــها بنفســه، وكان مــن الصعوبــة التوفيــق بيــن النظــري فــي الفصـل الأول والثانـي والتطبيقـي فـي الفصـل الثالـث، وقـد اجتهـد فـي التقريـب بينهمــا لكــي لا يشــعر القــارئ بشــيء مــن التبايــن.


الأمــر الثانــي والــذي حــاول الكاتــب الابتعــاد عنــه أو عــدم تســليط الضــوء عليــه كثيــرا أو إعطــاءه حجمــاً أكبــر مــن حجمــه هــو مســألة الإرهــاب، ذلــك أن الحديــث عــن الإرهــاب فــي هــذا الكتــاب سيســحب البســاط مــن التســامح وسيســتنزف المســاحات الواســعة مــن البحــث، وهنــاك كتــب أخــرى قــد تناولــت الإرهــاب بإســهاب، لــذا حــاول الكاتــب جاهــداً تقليــل مســاحة الإرهــاب والتركيــز فــي القيمــة الإنســانية المتمثلــة فــي التســامح.


الأمـر الثالـث هـو أن التجـارب والمبـادرات الكثيـرة التـي احتواهـا البحـث جـاءت للتأكيــد علــى أن هنــاك جهــداً كبيــراً بالمجتمــع البحرينــي فــي ســبيل تعزيــز السلام والتســامح، لــذا تــرك الباحــث لأصحــاب تلــك المراكــز والمؤسســات والمجالــس حريــة التعبيــر عــن نشــاطهم فــي الجانــب التســامحي، وكانــت للباحــث بعــض التصويبــات البســيطة ليتناســب ذلــك مــع منهــج البحــث، فـكل الشـكر والتقديـر علـى تجاوبهـم ومسـاهمتهم فـي إغنـاء هـذا البحـث، هـي فعـال جهـود أهليـة متناثـرة ولكنهـا تسـعى لتعزيـز التسـامح فـي مملكـة البحريــن (جنــة دلمــون).


ومــن محاســن الصــدف أن كاتــب هــذا البحــث الــذي يعتــز كثيــراً بيــوم التســامح العالمــي الــذي يصــادف يــوم الســادس عشــر مــن نوفمبــر يصــادف تاريـخ ميـلاده التاسـع عشـر مـن نفـس الشـهر وبفـارق ثالثـة أيـام، لـذا يتشـرف بإهــداء هــذا الكتــاب لــكل دعــاة التســامح والتعايــش والسلام بالعالــم.


ملاحظة: الكتاب في صفحة المكتبة العصرية

 

صلاح بن يوسف الجـــودر

ابن المحرق المحروسة

إرسال تعليق

0 تعليقات