على هامش الحوار الإسلامي المسيحي

على هامش الحوار الإسلامي المسيحي الأول

بقلم: الكاتب صلاح الجودر

العدد 12472 الخميس 1 يونيو 2023

مراجعات / صحيفة الأيام البحرينية


يحق لنا أن نفخر بالبحرين لما يميزها عن غيرها في الكثير من الجوانب، ولكن أبرزها هو إيمانها العميق والصادق بالتعايش السلمي بين سائر البشر رغم الاختلافات التي بينها، وهي قيم أصيلة بالمجتمع البحريني وليست شعارات ترفع في المحافل واللقاءات، وقد عززها ميثاق العمل الوطني والدستور وإعلان مملكة البحرين، فالحقيقة ترى في كل شبر من أرض الوطن، يراها المواطن والمقيم والزائر، لذا جاء الاجتماع الأول للجنة الدائمة للحوار الإسلامي المسيحي بين مجلس حكماء المسلمين والفاتيكان بمملكة البحرين ليؤكد على ريادة البحرين في هذا المجال.

استضافت البحرين في 23 مايو (2023) الاجتماع الأول للجنة الدائمة للحوار الإسلامي المسيحي، والذي تم إنشاؤه بموجب مذكرة تفاهم بين مجلس حكماء المسلمين ومقره العاصمة الإمارتية (أبوظبي) ودائرة الحوار بين الأديان ومقرها الفاتيكان، وذلك أثناء تدشين وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقع عليها شيخ الأزهر الشريف وبابا الكنيسة الكاثوليكية بالعام 2019، وكان من أبرز مخرجات تلك المذكرة اقامة ملتقى البحرين للحوار في شهر نوفمبر الماضي (2022) تحت عنوان (الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني)، وذلك تزامنًا مع الزيارة التاريخية لقداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف تلبية لدعوة كريمة من صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه.

فكان الاجتماع الأول لتعزيز الحوار والتعايش بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة حول العالم، وتفعيل المبادرات التي تم الإعلان عنها من أجل تعزيز التعايش الإنساني والحوار الإسلامي المسيحي، وهي مهمة يحمل مسئوليتها مجلس حكماء المسلمين لتعزيز الحوار والتواصل مع أتباع الأديان بشكل مستمر، وتحديدًا بين الإسلام والمسيحية، وهي مما تتوافق مع رؤية جلالة الملك المعظم.

إن من غايات وأهداف الاجتماع الأول الذي أقيم بالبحرين هو تأكيد مبادئ الحوار المباشر بين أتباع الإسلام والمسيحية، والبحث عن روافد مشتركة تسهم في تعزيز الحوار، وصولاً إلى مجتمع متعايش يحفظ كرامة الإنسان، ويدعم مسارات التنمية لديه، وقد جاءت التوصيات بتنسيق الجهود المشتركة انطلاقاً من دور المرجعيات الدينية في مواجهة التحديات العالمية الراهنة وتعزيز الحوار والتعاون الإسلامي المسيحي، والعمل المشترك من أجل تعزيز مفهوم المواطنة والتخلي عن استخدام مصطلح الأقلية والأكثرية، وأهمية جهود القادة الدينيين في مواجهة التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية وما تشكله من أخطار على حاضر الإنسانية ومستقبلها، وما يمكن أن يسهم به حوار الأديان والثقافات في تعزيز إشراك المرجعيات والمؤسسات الدينية في مواجهة ظاهرة التغير المناخي.

 

حلقة حوارية بمركز الملك حمد للتعايش

وعلى هامش الاجتماع الأول للجنة الدائمة للحوار الإسلامي المسيحي بين مجلس حكماء المسلمين والفاتيكان فقد أقام مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي حلقة حوارية بحضور الكاردينال ميغيل إنجيل أيوسو (مؤرخ وباحث في التاريخ الإسلامي ويحمل شهادة الدكتوراه في دراسة الإسلام، وعمل كرئيس المعهد الباباوي للدراسات العربية والإسلامية، وعمل مبشرًا في مصر والسودان، في العام 2012 تم تعيينه سكرتيرًا بالمجلس البابوي للحوار بين الأديان، وهو عضو بالمنتدى الاستشاري بمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات)، وقد تحدث عن أهمية الحوار المباشر لمعالجة المشاكل المعاصرة، خاصة وأن البشرية جمعاء تعيش في كوكب واحد، وتعود إلى أصل واحد، وهو آدم عليه السلام، وأنه وجد ذلك في إعلان مملكة البحرين، وقد بين أن زيارة البابا فرانسيس إلى البحرين قد كشفت له الصورة الحقيقة للبحرين، ومساحة الحرية التي يتمتع بها أتباع الأديان، والمستوى الرفيع لحقوق الإنسان، ولقد أعجب البابا كثيرًا بما شاهده في مملكة البحرين من تعايش سلمي.

وأكد الكاردينال ميغيل إنجيل أيوسو بعد أن أضطلع على أعمال وبرامج مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي على أن الفاتيكان سيتعاون مع المركز في كل ما من شأنه تعزيز القيمة الحضارة التي جاءت في إعلان مملكة البحرين، مثل كرسي الملك حمد للحوار بين الأديان والتعايش السلمي في جامعة سابينزا بالعاصمة الإيطالية، ومبادرة المركز في نبذ خطاب الكراهية عبر الفضاء السيبراني، وبرنامج الملك حمد للإيمان في القيادة المعتمد من جامعة أكسفورد وجامعة كامبريدج.

لذا يثار في بعض المواقع عن أهداف الحوار الإسلامي المسيحي في ظل ما يشهده العالم من صراعات وحروب، أحيانًا بين أتباع الدين الواحد، وعن كيفية مواجهة تلك الصراعات التي تخلف الكثير من الضحايا والخسائر، وهل التاريخ شهد على مثل تلك الحوارات؟ والحقيقة أن العلاقات بين المسلمين والمسيحيين قد شهدت تفاوتًا في تلك العلاقة، السلم تارة والحرب والعنف تارة أخرى، وأحيانًا العلاقات الباردة، فهناك حقب من التاريخ المأساوي بين الجانبين خلفت ورائها الآلاف من القتلى والمصابين والمشردين، والخسائر المادية الكبيرة، وفي الجانب الآخر نرى الأمن والاستقرار والتعايش المشترك بين المسلمين والمسيحيين، جيرة ودراسة وعمل وغيرها من المصالحة البشرية، وجميعها قائمة على قيم إنسانية راقية، مثل المحبة والمودة والتسامح والتعاون والحوار، وهي ما دفعت لإقامة الحوار الإسلامي المسيحي، وهو المصطلح الذي يجتمع تحته المعنيين بالشأن الديني - الإسلامي والمسيحي - لبادل الأفكار والخبرات، ودراسة المشاكل ووضع الحلول، وقد تبلور المصطلح منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا حين جلس رسول الإسلام مع المسيحيين (نصارى نجران) للحوار، وسار على دربه العلماء والحكماء ودعاة السلام.

إرسال تعليق

0 تعليقات