سينما المحرق وفيلم عنتر بن شداد
بقلم: الكاتب صلاح الجودر
المراكز الثقافية التي أثرت في الوعي الجمعي
بالإضافة إلى التعليم والمدارس النضامية، والمكتبات ودور النشر، والفنون الشعبية، والأندية وفرق الحواري، والمفاهي والمجالس، وهناك كذلك محرك كبير أثر في الوعي الجمعي لأبناء البحرين، وليس المحرق فقط.
ونحن نشاهد الكم الهائل من المسلسلات العربية في شهر رمضان المبارك، الخليجية والمصرية والشامية، وسهولة مشاهدتها من خلال القنوات الفضائية والتطبيقات الإلكترونية، عادت بنا الذاكرة إلى السنوات الأولى لظهور السينمات والأفلام في منطقة الخليج والبحرين تحديدًا، والمحرق بحكم موقعها وأهميتها في ذلك الوقت كان لها نصيب مبكر من ذلك الفن القادم من الغرب (الأفلام)، وقد عاصرنا إحدى المرحلة المبكرة قبل تدشين التلفزيونات الخليجية وما تلاها من ظهور الأطباق الهوائية والقنوات والتطبيقات، ومن أبرز السينمات بالبحرين والتي أثرت في الوعي الجمعي للناس هي سينما المحرق التي لا يزال مبناها قائمًا في مكانه.
تاريخ السينما في البحرين
يعود تاريخ السينمات في البحرين إلى العام 1922 حين أنشأ محمود الساعاتي أول دار للسينما بالمنامة في موقع شركة كريمكنزي لاحقا، بالقرب من محاكم الشرع التي أنشأت في العام 1937، وهي عبارة عن كوخ صغير يطل على البحر ويسع 30 كرسيًا مع لوحة خشبية كبيرة مغطاة بقطعة قماش أبيض عبارة عن شاشة العرض، وكان سعر التذكرة لا يتجاوز الآنتين، وكانت هذه هي بداية مشروع السينما بالبحرين، ولكن تلك السينما لم تستمر وذلك لحداثة السينما التي لم يعتد الناس على وجودها، والبعض قد خاف منها على اعتبار أنها من السحر وأعمال الجن والشياطين.
في العام 1937 وقبل اندلاع الحرب العالمية الثانية بين الحلفاء والمحور تم افتتاح السينما في المنامة تحت اسم (مرسح البحرين) أو السينما الوطنية في موقع سينما الحمراء على شارع الزبارة، وذلك على يد الشيخ علي بن عيسى آل خليفة والأديب عبدالله الزايد وحسين يتيم، وأول فيلم تم عرضه هو فيلم (وداد) بطولة أم كلثوم (فيلم مصري من إنتاج العام 1935، هو أول أفلام أم كلثوم وإخراج فريتز كرامب الألماني).
وكان دخل السينما السنوي لا يتجاوز 154 روبية هندية ما يعادل 15.4 دينار بحريني (41 دولارًا أمريكيًا)،
ولكن ارتفعت الأرباح في العام 1939 حين زاد الإقبال على السينما خاصة بعد أن تم نشر إعلانات الأفلام في أول صحيفة بالبحرين (جريدة البحرين) والتي أصدرها عبدالله الزايد، وكذلك أسلوب التسويق المباشر للأفلام من خلال لوحة خشبية يحملها رجلان وملصق عليها من الجهتين الفيلم الذي سيعرض، وفي العام 1951 تم تغير الاسم من مرسح البحرين إلى (سينما البحرين).
وأبرز السينمات في البحرين:
سينما بن هجرس أو سينما اللؤلؤ(اشتراها تاجر كويتي) أشتهرت بالأفلام الهندية وأفلام طرزان، وكانت تفتح عصراً، وأطلق عليها في بادئ الأمر بسينما القصيبي لصاحبها محمد القصيبي، بالقرب من مستشفى النعيم ومقابل البحر، وحضر حفل الافتتاح الممثل الكوميدي المصري حسن فائق، وقد زارها الملك عبدالعزيز في العام 1939 وشاهد أحد أفلامها.
سينما الزبارة: أسسها الشيخ أحمد بن علي، وقد استقطبت الكثير من عشاق السينما وذلك بتواجد الفنانة سميرة توفيق في حفل الافتتاح، وبعدها توالت دور العرض، وكان عبدالغفار العلوي أحد أبرز ملاك دور السينما.
سينما الحمراء هي أول دار سينما مكيفة بالبحرين في العام 1968 على أنقاض السينما الوطنية (مرسح البحرين)، وفي ذات العام حصلت شركة البحرين للسينما وتوزيع الأفلام على امتياز عرض وتوزيع الأفلام.
سينما الزياني، سينما عوالي، سينما حسين يتيم، سينما النصر، سينما أوال، وسينما (RAF)، وسينما القوات البريطانية، وسينما المحرق التي تحمل الكثير من الذكريات الجميلة حين اضطلع هذا المجتمع على ثقافة الشعوب العربية والأمريكية والهندية من نافذة السينما. والسينما المتنقلة التي قامت بها الشركة.
باشتداد الحرب العالمية الثانية تم تسخير جريدة البحرين والسينما الوطنية للدعاية للحلفاء، وكان ذلك من الفرص الفريدة التي ساعدت المواطن البحريني على مشاهدة بعض حوادث الحرب من وجهة نظر الحلفاء.
سينما المحرق
يذكر بأن العام 1955 شهد افتتاح سينما المحرق لصاحبها عبدالنور (صاحب فندق البحرين) على عقار السيد حسن سيادي بسوق المحرق، وتقع السينما بعد قهوة عبدالقادر العلوي (قهوة الشباب) ومقابل محطة الحسن للبترول، وهي نهاية ممر ضيق يبدأ من مطعم الخليج العربي، وسبب اختيار هذا الموقع أن السينما في قلب سوق المحرق القديم، وبالقرب منها المقاهي والأسواق والمحلات، فقد شهدت هذه المنطقة حراكًا تجارياً كبيرًا، وكانت ساحات السوق مكانًا يلتقي فيه الناس، والسينما حاليًا خلف حلويات حسين محمد شويطر.
ومن الشخصيات التي كانت تعمل في السينما رجل يقال له أحمد (النافلة) وهو المسئول عن الدخول إلى صالة العرض، وكان رجلًا لطيفًا يساعد في دخول الأطفال الذين لا يملكون قيمة التذكرة، وكان يقف معه صديقه (بونوار) المسؤول عن تخطيط ملاعب كرة القدم التابعة للإتحاد البحريني لكرة القدم، وهناك رجل هندي يجلس خلف الشباك لبيع التذاكر، وسعر التذكرة كان درجة (الترسو) روبية، وروبيتين في الوسط، وثلاث روبيات هندية للبلكون آخر الصالة، وكانت السينما تعرض فيلمين في اليوم الواحد، بخلاف الأعياد حيث تعرض أربعة أفلام.
اسينما المحرق حينها كان يحضرها الفتوات من الشباب، فتحدث مصادمات ومعارك، وبعض الصدامات تحصل عند شباك التذاكر وذلك للحصول على تذكرة لدخول الفيلم، والبعض الآخر يحدث داخل الصالة خاصة إذا تعطلت بكرة الفيلم، فيتم رمي زجاج المشروبات أو الكراسي أو السجائر، وقد تأثر الكثير من الشباب بتلك الأفلام التي يكون فيها الضرب والعراك، فيتم ترجمة ذلك بعد الخروج من السينما لتصفية الحسابات فتتدخل الشرطة لفكها.
أجمل الأفلام في الغالب تعرض في الأعياد (عيد الفطر وعيد الأضحى) حيث تعرض الأفلام العربية والأمريكية والهندية وأفلام الكارتون، والأفلام العربية كانت لها حظوة كبيرة في سينما المحرق خاصة أفلام فريد شوقي ومحمود المليجي ورشدي أباظة وكمال الشناوي وعبدالحليم حافظ وتوفيق الدقن وليلى مراد وهند رستم وهدى سلطان وشادية وغيرهم من الممثلين المصريين، وأجمل الأفلام العربية التي عرضت بسينما المحرق كان فيلم عنتر وعبلة هو فيلم مصري تم إنتاجه عام 1945، بطولة سراج منير وكوكا وإخراج نيازي مصطفى، والفيلم الآخر فيلم عنتر بن شداد الذي تم إنتاجه في 1961، بطولة فريد شوقي وكوكا وإخراج نيازي مصطفى كذلك (وهناك روايات جميلة عن هذه الأفلام).
سينما المحرق لا تزال في الذاكرة الوطنية وتحمل إرثًا جميلاً لبواكير التعرف على المجتمعات الأخرى.
صحيفة الأيام البحرينية
العدد 12423 الخميس 13 أبريل 2023
0 تعليقات