طريق الحرير الصيني

 

طريق الحرير الصيني

بقلم: الكاتب صلاح الجودر

العدد 12396 الجمعة 17 مارس 2023 

ماسية الصينية الجديدة حققت ما لم تحققه الدول الكبرى مثل أمريكا وروسيا والاتحاد الأوروبي، فبكل هدوء تناقلت وكالات الأنباء والمحطات الفضائية إعلان عودة العلاقات السعودية الإيرانية وبرعاية ووساطة صينية، كيف ومتى جرى كل ذلك؟! هنا (فن الممكن) في الدبلوماسية الصينية، فقد دهش العالم من الإعلان الصيني في الوقت الذي بلغت فيه العلاقات السعودية الإيرانية مرحلة الأبواب المغلقة!.

المتابع لتطور العلاقات السعودية الإيرانية في العامين الماضيين يرى بأن هناك تحركًا للقاءات ثنائية وبوساطة عراقية، ولكن لم يكن هناك مؤشر لعودة تلك العلاقات حتى خرجت الصين والسعودية وإيران للإعلان عن مرحلة علاقات جديدة تنطلق بعدين شهرين من خلال الدبلوماسية المباشرة.

الشقيقة الكبرى السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان كما عهدناها في سعيها لاستقرار المنطقة، وقد حققت الكثير في هذا الجانب وأبرزها اتفاق العلا الذي أكد على وحدة دول مجلس التعاون الخليجي، وكانت أكبر العقبات في طريق تعزيز الاستقرار بالمنطقة هي إيران، وذلك بسبب سلوكها العدائي مع دول الجوار وفي مقدمتهم الدول الخليجية والعراق وسوريا ولبنان واليمن.

عند قراءة البيان الصادر عن الاتفاق الصيني والأسباب التي دفعت السعودية وإيران للتوقيع على الاتفاق يرى بأن السعودية تسعى لتعزيز التنمية والاستقرار بالمنطقة، وإيران تسعى للخروج من العزلة الدولية بسبب مجموعة من الملفات وفي مقدمتها الملف النووي، المهم في الاتفاق أن يلتقي الطرفان لمناقشة المسائل الخلافية بالحوار والطرق السلمية والأدوات الدبلوماسية، وهذا ما صرح به وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، حيث ذكر أن (السعودية ماضية في مسار التهدئة وخفض التصعيد، استشعاراً لدورها ومسؤوليتها في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي)، وهذا ما تسعى له السعودية منذ تأسيسها على يد الإمام محمد بن سعود.

ما قامت به الصين من عودة العلاقات السعودية الإيرانية ليس بالأمر الهين، فقد كانت المنطقة على صفيح ساخن خلال السنوات الماضية، خاصة في موضوع الملف الإيراني النووي، والجماعات الإرهابية بالمنطقة، والتوسع والتدخل في الدول العربية، لذا جاء إعلان الاتفاق الصيني مدوياً وصادماً ومفاجئاً للكثير من المراقبين والمحللين، ولكنها الحقيقة التي أكدتها الصورة التي جمعت وزير الدولة السعودي عضو مجلس الوزراء مستشار الأمن الوطني، مساعد العيبان، مع نظيره الإيراني الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، يتوسطهما وزير الخارجية الصيني بعد توقيع الاتفاق.

وعلى خلفية الاتفاق صرح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بأن (الاتفاق على عودة العلاقات الدبلوماسية لا يعني حل كل الخلافات بين الطرفين، لكنه يؤكد الرغبة المشتركة لدى الجانبين في حل الخلافات عبر الحوار)، وهو جواب واضح وصريح حتى لا تأخذنا الأحلام والأمنيات بعيداً، فالملفات العالقة مع النظام الإيراني كبيرة مثل الملف العراقي، والملف اليمني، والملف السوري، والملف اللبناني، وملف دول الخليج، وهي ملفات بسبب تدخل النظام الإيراني في شؤون الدول الداخلية، لذا يجب التعرف على جدية النظام الإيراني لأغلاق تلك الملفات من خلال اتفاقية الصين!.

الرعاية الصينية لاتفاق عودة العلاقات السعودية الإيرانية يعطي دلالة واضحة بأن الصين اليوم هو اللاعب الأساسي في صنع السلام الدولي، واستقرار منطقة الشرق الأوسط هو استقرار للعالم بأسره، فقد عان العالم من الصراعات والحروب بالشرق الأوسط، وليس من سبيل للتنمية بالمنطقة سوى الحوار المباشر لحل الملفات العالقة.

السياسة الصينية لا تقوم على مفهوم (فرق تسد)، ولكنها تبني علاقاتها على مشروع طريق الحرير الذي يربط دول العالم، والصين اليوم قد اكتسحت العالم بصناعاتها، وهي تبحث عن أسواق أكثر أمناً واستقراراً، لذا علاقاتها تقوم على تعزيز الاستقرار بالأسواق العالمية، ومن ذلك أسواق الشرق الأوسط، لذا جاء اعلان الصين في العاشر من مارس 2023 ليرعى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، وفتح سفارتيهما وعودة دبلوماسيهم في مدة أقصاها شهران مع تفعيل الاتفاقية الاقتصادية الموقعة في العام 1998، واتفاقية التعاون الأمني الموقعة بينهما العام 2001، مع احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

من هنا فإن الاتفاقية الصينية هي كسر تابو العلاقات المقطوعة بين السعودية وإيران منذ العام 2006، وهو الأمر الذي سيسهم في معالجة الكثير من قضايا الشرق الأوسط، وهو بلا شك يحسب للصين!.


إرسال تعليق

0 تعليقات