يا سادة.. التعايش السلمي وليس تعايش الأديان

بقلم: صلاح الجودر

صحيفة الأيام البحرينية العدد 12144 الجمعة 8 يوليو 2022

تبقى الدول وتستمر وتدوم بقدر تمسكها بالقيم والمبادئ والأعراف الحميدة، ومن أبرزها قيم المحبة والسلام والتسامح والتعايش السلمي بين البشر، ومتى ما تخلت عن تلك القيم لصالح جماعة أو طائفة أو حزب فإن الفناء والدمار هي النهاية الحتمية التي تنتظرها، وكم من دولة اليوم وقعت في ذلك المستنقع حتى تأخرت عن ركب الحضارة، وأصبحت دولة فاشلة!!

والبحرين منذ تولي جلالة الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم في العام 1999 وهو يسعى لتعزيز القيم الإنسانية الراقية، كل ذلك من أجل المجتمع البحريني الذي يطلع إلى مشاركة العالم في بناء حضارته، لذا نرى المشاريع التي تدعم هذا التوجه رغم ما تعانيه بعض الدول من صراعات دينية ومذهبية وسياسية تغذيها وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية المؤدلجة من خلال بعض التقارير المفبركة، والمؤسف أن هناك صنف من الناس يتلقاها ويعيد إرسالها على عواهنها وهو لا يعلم ما وراء الأكمة!!.

البحرين بفضل الله اختارت لنفسها طريق الوسطية والاعتدال واحترام حقوق الإنسان، ووضعت ذلك مع رؤية 2030، وهي اليوم تسير وفق الرؤية الملكية السامية في إطار الدولة المدنية القائمة على العدل والقانون واحترام مبادئ حقوق الإنسان، وتدور معها وتدندن حولها المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني والمجالس الأهلية والأفراد.

ومن أبرز المشاريع الحضارية التي دشنها جلالة الملك المعظم مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي في مارس 2018، وقد قدم المركز خلال سنواته الأولى الكثير من المبادرات الإنسانية التي تدعم الخطة الوطنية لتعزيز حقوق الإنسان، رغم ما اعترض ذلك من إجراءات لمواجهة جائحة كورونا مطلع 2020، في المركز أتباع الأديان والمذاهب والثقافات في البحرين، والذي يعود تواجد البعض منهم لأكثر من مائتي عام، وأصبح المركز المظلة التي يستظل ويتساوى تحتها أتباع الأديان والشرائع والمذاهب والثقافات، فيمارسون عبادتهم وشعائرهم في دور عبادتهم بالبحرين بكل حرية وأمان، فنرى المسجد والمأتم والكنيسة والمعبد والكنيس وغيرها مفتوحة لأتباعها وغيرهم للتأكيد على حرية العبادة والمعتقد، وأكثر من ذلك أن أتباع الأديان لهم المقابر الخاصة بهم لدفن موتاهم، كل ذلك يسير لحفظ حقوق الإنسان بالبحرين، فمن خلال مركز الملك حمد وأنشطته تم التواصل المجتمعي مع المواطنين والمقيمين والوافدين رغم اختلاف أديانهم ومذاهبهم وثقافاتهم، وتم إذابة كل الفوارق بمركز الملك حمد من خلال البرامج والاحتفالات ولقاءات التحاور وغيرها.

وجاء إعلان مملكة البحرين كوثيقة دولية في التسامح بالعام 2017، وذلك لحماية قيم التسامح والتعايش والتعدد الديني والثقافي، وقد استهلت الوثيقة بكلمة جلالة الملك المعظم: أن (الجهل عدو السلام، لذلك فإنه من واجبنا أن نتعلم ونشارك ونحيا معًا من خلال إيماننا بعقيدة تجمعنا بروح الاحترام المتبادل والحب)، والإعلان قائم على خمسة مبادئ، هي: مبدأ المعتقد والتعبير الديني، ومبدأ حرية الاختيار ويقصد بها حرية كل فرد في ممارسة دينه بشرط ألا يؤذي الآخرين وأن يحترم قوانين الأرض، ومبدأ تحديد الرب وقصد منها أن لكل فرد الحق في اختيار ربه، ومبدأ الحقوق والواجبات الدينية، حيث أكد هذا المبدأ على ضرورة ضمان حقوق الأقليات في التجمع والعبادة والتعليم والاحتفال وممارسة متطلبات دينهم، ومبدأ الأمل والإيمان، وأشار إلى ضرورة تعليم الأطفال اللطف والرحمة والأعمال التي توحدنا لا تفرقنا، وهذا الإعلان فتح أبواب الأمل أمام البشرية للعيش بأمان.

وتم الإعلان عن كرسي الملك حمد للحوار بين الأديان والتعايش السلمي في نوفمبر 2018 بجامعة سابينزا بالعاصمة الإيطالية، ويهدف هذا المشروع إلى نشر ثقافة التسامح وتعزيز مبدأ التعايش والتحاور عبر برامج أكاديمية متخصصة للشباب من طلبة الجامعة، وتخريج قيادات شبابية واعدة.

وتم الإعلان عن مركز الملك حمد للسلام السيبراني في سبتمبر 2019، فتم إطلاق مشروع مركز الملك حمد للسلام السيبراني لتعزيز التسامح والتعايش بين الشباب، وهي مبادرة تستهدف الشباب لمواجهة التحديات الإلكترونية والفضاء المفتوح.

وهناك وسام الملك حمد للتعايش السلمي، وهو مشروع يبرز قيم المجتمع البحريني المؤمن كل ذلك يسير وفق رؤية التعايش السلمي بالبحرين، وهي رؤية ليعيش الناس رغم اختلافاتهم في أمن واستقرار وسلام، وهذا المشروع يختلف وبشكل كبير عن مفهوم تقارب الأديان أو مشروع تعايش الأديان الذين يتعلقان بالمرجعيات الدينية في كل دين أو مذهب أو ثقافة، مشروع التعايش السلمي هو مشروع حضاري، ودعوة عالمية للمجتمعات المتنوعة والمختلفة إلى التعايش السلمي بينها، وهذه هي وصية الله في الأرض، قال تعالى مخاطبًا الناس جميعًا: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) «الحجرات: 13».

إرسال تعليق

0 تعليقات