أخي سعيد الحمد.. لماذا الرحيل المبكر؟!

 


منذ أكثر من عشرين سنة وأنا أرسل المقالات والأعمدة لصحيفة الأيام بهذه الصيغة (الأستاذ سعيد الحمد/‏ الأيام/‏ مراجعات)، لأنه المسؤول عن صفحة (قضايا) التي تتناول الشأن العام، ففي يوم 19 يونيو 2001 نشر لي الكاتب سعيد الحمد أول مقال بعنوان (كل يدعي الوصل بليلى) ثم مقال (يريدونها تعددية متى شاءوا) ثم (هل هو سوء فهم، أم فهم السوء)، وتقبلها بصدر رحب رغم ما فيها من آراء مختلفة عن بقية الكتاب، تعلمت بعدها منه فن الكتابة، وفن الممكن، وقبول الآخر، كل ذلك لأني اعتبرته معلمي الأول في الصحافة، واعتبرني ابنه الذي يجب أن لا يحيد عن منهج والده، وهذا من كرم الله أن يكون لي والدين.

وبالأمس بلغنا خبر وفاة الصديق والزميل الكاتب سعيد الحمد الذي بلغ 73 عامًا، قضى سنوات الصبا وريعان الشباب في المحرق ودواعيسها وأزقتها وأسواقها وقهاويها وسينماتها، وهي التي امتلأت ذاكرته منها، وحين يرويها كأنه يراها أمام عينيه، وكم هي الأوقات التي نمضيها معه نحن الأصدقاء في سوالف الأول، بين غشمرة ومزحة وضحكة، ثم انتقل إلى الرفاع لحبه لها وتعلقه بها، فكان قصة حب بين المنطقتين.

رحل الحمد تاركًا ورائه إرثًا صحفيًا وإعلاميًا وسياسيًا كبيرًا، فهو متعدد المواهب والإمكانات، والمؤسف أن نفقد المؤثرين في حياتنا، ولكن فقدهم ليس غيابًا، فهم معنا في كل مفاصل الحياة، نسمع أصواتهم، ونضحك لمواقفهم، وهم كذلك المؤثرين فينا، حتى وإن رحلوا فهم معنا، وهناك أناس بقربنا ولكن لا نشعر بهم، لذا سعيد الحمد كل البحرينيين المخلصين يحبونه لمواقفه المشرفة، ورحيله لا يعني غيابه، بل يظل طيفه وروحه معنا، لأنه المدرسة التي تعلمنا منها.

سعيد الحمد بحد ذاته قصة وحكاية تعجز الأقلام عن تدوينها، فهو العروبي حتى النخاع، وهو الوطني الذي يرى الوطن خط أحمر، له في كل قضية موقف واضح، يقف وقفت الرجال الصادقين إذا اشتدت الخطوب، فمع هدوئه وطيبة قلبه نرى الحزم والجزم في القضايا التي تمس الأمن والاستقرار، وكان يستشعر الخطر قبل وقوعه، وهذه شهادتي عن قرب، التعامل مع الجميع في تواضع ولطف حتى مع الصغار، كلماته (المحرقية) المعبرة وكأنه من عجائز الأول يستخدمها للتعبير عن تلك المواقف، ومن ناحية أخرى نجد قلمه المميز وهو يكتب المقالات البحثية وليست الإنشائية، فنجد المعلومة والأرقام والمواقع وكأنه يكتب بحثًا للتخرج! ومن جهة أخرى حسن المعشر والتعامل، في تواضع جم مع قبول الرأي والرأي الآخر، يحمل في قلبه الوطن بكل ما فيه من آمال وآلام.

الحمد ولد في مدينة المحرق العام 1948، وهي الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، والأزمة الاقتصادية التي ضرب العالم، فعاصر التحولات السياسية بالمنطقة ومنها القومية العربية والبعثية والناصرية، مرورًا بالمد الإسلامي بشقيه، الصحوة والثورة، وكان ناقدًا لهما لما يحملانه من أدوات التدمير بالمنطقة.

سعيد الحمد تمتع بثقافة واسعة في السياسة ما أسهم في معالجة القضايا المجتمعية الطارئة، وكانت له منابر عدة يستخدم فيها أدواته التي حباه الله بها، فكانت له مساحة في الصحافة، والإذاعة والتلفزيون، ومراكز التواصل الاجتماعي، وحضوره المتميز في المحاضرات والندوات المجتمعية، وقد التحق بصحيفة الأيام مع بداياتها حيث كان له عمود بعنوان (أبعاد) ومسؤولًا عن صفحة قضايا وآراء، وعمل مذيعًا ومقدمًا للبرامج بهيئة الإذاعة والتلفزيون لثلاثة عقود، وقدم خلها الكثير من البرامج الفكرية والتراثية والدرامية والمسابقات، وكان لها صدى كبير لدى الشارع الخليجي، ونال الكثير من الجوائز والميداليات الذهبية للبرامج التي شارك فيها، وكتب العديد من التمثيليات والمسلسلات الإذاعية حتى أصبح من أبرز الشخصيات الخليجية.

رحيل الكاتب سعيد الحمد مؤلم وصعب، فقد صدم الشارع البحريني حال تلقيه خبر وفاته، فمع الإيمان بالله والقدر إلا أن رحيله خلف حزنًا في الشارع البحريني، ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا فإنا لله وإنا إليه راجعون، ورحمك الله يا صديقي.

بقلم: صلاح الجودر

صحيفة الأيام العدد 12129 الخميس 23 يونيو 2022 

رابط المقال 

https://www.alayam.com/Article/courts-article/419575/%D8%A3%D8%AE%D9%8A-%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D8%AF..-%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A8%D9%83%D8%B1%D8%9F.html#alst


إرسال تعليق

0 تعليقات