أما بعد: فأوصيكم - عباد الله -
ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي سبيل أهل الرشاد، وخير زاد يبلغ لرضا رب العباد،
فتزودوا منها ليومِ المعاد، واغتنموا أيام العمر قبل النفاد، واحذروا مسالك أهل
الغيِ والفساد، تدخلوا جنة لا يخفى نعيمها على كل رائح وغاد، قال تعالى: (وَسَارِعُواْ
إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ
أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آل عمران: 133].
أيها الإخوة المؤمنون، يحتفل
المسيحيون هذه الأيام من كل عام بميلاد المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام -،
والواجب على كل مسلم أن يتعرف على هذا النبي الكريم كما جاء في القرآن الكريم
والسنة النبوية المطهرة، فعيسى - عليه السلام - وبقية الأنبياء هم جزء من عقيدة
المسلم دون إفراط أو تفريط.
فعيسى - عليه السلام - يعرف باسم
أمه مريم بنت عمران التي نذرتها أمها خالصة لله تعالى، أي لخدمة بيت
المقدس، (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا
حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا)[آل عمران: 37]، فمريم هي الأنثى الوحيدة في
الوجود التي اختصها اللـه من بين نساء العاملين ليودعها سره الأكبر في أصفى حمل
وأعجز ميلاد، فمريم البتول هي الفتاة العذراء النقية التقية الصالحة التي اصطفاها
اللـه جل في علاه لتكون أماً للمسيح عيسى، (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا
مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ
الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ
الرَّاكِعِينَ) [آل عمران: 42-43]، فنفخ فيها من روحه وألقى إليها كلمة
منه، قال تعالى: (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا
مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا ءَايَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:
91]، وجاء عن رسول اللـه صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود يولد، إلا نخسه
الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان، إلا ابن مريم وأمه) [البخاري].
عباد الله، إن من أركان الإيمان في
ديننا أن نؤمن بالرسل جميعاً، قال الله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا
أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ
وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ
وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ
الْمَصِيرُ) [البقرة: ٢٨٥]، فجميع الأنبياء قد جاؤوا برسالة واحدة من عند
الله رب العالمين، هي عقيدة التوحيد الخالص.
وعيسى - عليه السلام - هو من أولي
العزم من الرسل لقوله تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ
نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ
وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى:
١٣]، وأمه البتول مريم لها كل الحب والاحترام والتقدير، فسورة كاملة في القرآن
باسمها، تتحدث عن عفتها وطهارتها، و83 آية من سورة آل عمران حول مريم العذراء
وابنها عيسى المسيح، فهي الصديقة في أقوالها وأفعالها، قال الله تعالى: (مَا
الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ
وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ) [المائدة: ٧٥]، جاء على
بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير نسائها مريم بنت
عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد) [البخاري ومسلم]، فمريم حملت بنبي وربته في
كنفها وصدقته واتبعته، وخديجة - رضي الله عنها - زوجة نبي صدقته ونصرته واتبعته
وهو محمد صلى الله عليه وسلم.
عباد الله، إن عقيدة المسلمين في
ولادة عيسى - عليه السلام - أنها معجزة حيث ولد من أم بدون أب، قال الله تعالى: (إِذْ
قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ
اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ) [آل عمران: ٤٥]، وقال الله تعالى: (إِنَّ
مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ
لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران: ٥٩].
أيها الإخوة المؤمنون، إن عقيدة
المسلمين في عيسى - عليه السلام - أنه عبد الله ورسوله، فقد كانت أول كلماته في
المهد: (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)
[مريم: ٣٠]، وقيدة المسلمين في عيسى أنه لم يقتل ولم يصلب، بل ألقى الله الشبه على
رجل آخر فصلب مكانه، قال الله تعالى: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا
الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا
صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) [النساء: ١٥٧].
عباد الله، إن عقيدة المسلمين في
الأنبياء أنهم أحق بهم ممن سواهم، لذا يفرح المسلمون بمولد عيسى - عليه السلام -
لا بموته أو صلبه أو تأليهه، فعيسى حي في السماء، ونزوله آخر الزمان من أشراط
الساعة الكبرى وعلامات القيامة، ولا إيمان لمن لم يؤمن بذلك، وقد رأه النبي صلى
الله عليه وسلم ليلة المعراج، جاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ
ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلاً، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ،
وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى
تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)، قال
أبوهريرة: واقرؤوا إن شئتم: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا
لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ
شَهِيدًا) [البخاري ومسلم].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم
الجليل لي ولكم، واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة
للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين،
سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،
أيها الإخوة، إن موسى وعيسى ومحمد
هم أبناء لعلات، والمعنى أنهم من أب واحد هو إبراهيم وأمهاتهم مختلفة، والمراد أن
دينهم واحد وشرائعهم مختلفة، لذا فإن رسالة السماء بعد توحيد الله هي كما جاءت في
سورة الحجرات: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ
وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13].
فالسلام
على عيسى يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.
فاتقوا الله رحمكم الله واستمسكوا
بدينكم، واعتصموا بربكم فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا.
خطبة الجمعة للشيخ صلاح الجودر
جامع الخير بالمحرق – مملكة البحرين
24 ديسمبر 2021
1 تعليقات
Their method makes these virtual video games play like reside features. The home edge is 우리카지노 with the 0 and 00, as these numbers can't be received by the player. The on line casino has a sophisticated cellular on line casino which means have the ability to|you possibly can} game with 24/7 customer support. The features are well grouped, making it simple to move from one section to another.
ردحذف