خطبة بذور الشقاق والخلاف

أما بعد: فأوصيكم - عباد الله - ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي سبيل أهل الرشاد، وخير زاد يبلِغ لرضا رب العباد، فتزودوا منها ليومِ المعاد، واغتنموا أيام العمر قبل النفاد، وشمروا في تحقيقها عن ساعد الجد والاجتهاد، واحذروا مسالك أهل الفساد وطرق أهل الضلال والعناد، تدخلوا جنة لا يخفى نعيمها على كل راح وغاد.

عباد الله، في خضم النوازل، وزحمة الأحداث، وكثرة التحليلات والنقاشات، يلحظ الفرد غيابا وتغيباً للرؤى الشرعية في القضايا والأحداث، وقد تُفتقد كلمة الحق والإنصاف في الأجواء التي تشهد مخططات ومؤامرات تغير الهوية، بدأ من زرع بذور الشقاق والخلاف، ونشر نظريات التحشيد والاصطفاف، حتى ظهور نبتات مسمومة، ودعوات مأزومة، بل أصبح الحال مأسوياً حينما تم تحليل الآثار والنتائج وترك الأهم والمهم في بحث الأسباب والمسببات!!، مما يؤكد حاجة الأمة إلى العودة إلى مرجعيتها الأساسية والتمسك بكتاب ربها: (ولو ردُوهُ إلى الرسُولِ وإلى أولي الأمرِ منهم لعلمهُ الذين يستنبطُونهُ منهم) [النساء: 83].

أيها المسلمون، لا يخفى عليكم ما تواجهه أمتنا من أحداث مأسوية عصيبة، فلسطين والعراق وسوريا ولبنان واليمن، أحداث والعاقل وذو البصيرة هو من يرى ذلك التداعي والتحريش الشرس والتحريض المفتعل لزعزعة أمن واستقرار دول المنطقة لتغير هويتها!.

أيها الإخوة المؤمنون، بلادكم ليست بمنأى عن تلك الاستفزازات، فمنذ سنوات وهي تتعرض لدعوات التدمير والتخريب، في صورة تؤكد على التبعية لأصحاب الفكر التدميري والتخريبي، وتحد سافر للنصوص الشرعية التي تحرم أعمال الإفساد في الأرض، وسعي حثيث لتغير هوية المجتمع، وتحويله من مجتمع متسامح إلى مجتمع متقاتل، ومن مجتمع يدعو للتعايش إلى مجتمع يدعو للصدام، ومن مجتمع يحترم القوانين والأنظمة إلى مجتمع الغاب، في اعتقاد خاطئ بأن ما يقومون به من الإصلاح والدفاع عن حقوق الناس، وكأنهم قد أعطوا الوصاية على الوطن، وهم في حقيقتهم داؤها لا دوائها!، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ *أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) [البقرة: 11، 12].

قد يقول قائل بأن تلك المجموعات لها مطالبها المشروعة!، ونحن نقول هل كل من له حق يخرج على الناس ويعتدي على رجال حفظ الأمن؟!، وهل التعبير يكون بإغلاق الطرقات وحرق الإطارات وترويع الآمنين؟!، إن المطالب لها قنواتها الشرعية والدستورية، ولكن من يبيح إغلاق الشوارع؟!، من يبيح ترويع الآمنين؟!، من يبيح تعكير صفو الأمن والاستقرار والدفع بأبناء هذا الوطن إلى صراع طائفي مقيت؟.

إننا اليوم أمام مسئولية دينية ووطنية وتاريخية لكشف الشبهات عن شباب الأمة وناشئتها، وتأكيد الفكر المعتدل الوسطي لمواجهة دعاة التخريب والحرق والتدمير، الأمر الذي يدعونا إلى حماية الأمن بالتصدي للمخططات والأفكار التي تستهدف الأمن والاستقرار، لا بد من تجفيف منابع الأفكار المدمرة.

أيها الإخوة، إننا نجدد دعوتنا إلى قيام الجميع بمسئولياته لحفظ الأمن والاستقرار، إننا اليوم مطالبون في البيت والمسجد والمدرسة والمؤسسة والشارع بالعمل المشترك لنشر التسامح والتعايش بين الناس، بعيداً عن الانتماءات الطائفية المقيتة، أو المصالح الحزبية الضيقة، أو المكاسب الذاتية، وإعادة الصورة المشرقة للإسلام، ملة أبينا إبراهيم - عليه السلام - ومحمد صلى الله عليه وسلم  لقوله: (إنما بعثت بالحنيفية السمحة) [الإمام أحمد مرفوعاً]، وقال تعالى: (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود: 88].

ألا فاتّقوا اللهَ رحِمكم الله، واحفَظوا ألسنتَكم، (وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [الأنفال: 1].

خطبة الجمعة في جامع الخير بقلالي
الشيخ صلاح الجودر

إرسال تعليق

0 تعليقات