المرتكزات الرئيسية بإعلان مملكة البحرين


المرتكزات الرئيسية بإعلان مملكة البحرين

الكاتب: صلاح الجودر 


الاهتمام الكبير الذي حظي به إعلان مملكة البحرين في الداخل والخارج جعل المتابعين للرؤية والفلسفة الملكية في مستمرة ومتأنية لمضمون الإعلان ورسالته وأهدافه، ففي الوقت الذي يشهد فيه العالم حالات من الصراع والصدام الأيدلوجي يرى الكثير بصيص من الأمل يأتي مع إعلان مملكة البحرين، فقد حقق الإعلان الكثير من المكاسب مما دفع الكثير من المؤسسات الدولية من متابعته ومحاولة الانخراط فيه والاستفادة منه.

لقد انطلق إعلان مملكة البحرين في سبتمبر العام 2017 بولاية كاليفورنيا الأمريكية، ثم انتقل إلى الكثير من العواصم لتعزيز التواصل، وتم تدشين المبادرات المنبثقة من الإعلان من خلال مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي وجمعية هذه هي البحرين، لذا من الأهمية معرفة مرتكزات إعلان مملكة البحرين الخمس: الإيمان والتعبير الديني، حرية الاختيار، إرادة الله، الحقوق والمسؤوليات الدينية، وأمل الإيمان، وقبل تحليل تلك المرتكزات لابد من التوقف عند أهم العبارات التي استفتح بها جلالة الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفة إعلان مملكة البحرين.

الجهل هو عدو السلام

لقد افتتح جلالة الملك المعظم إعلان مملكة البحرين بعبارة (الجهل هو عدو السلام)، وهذه الحقيقة يعيها العلماء والدعاة والساسة والتربويون وغيرهم، فدون رفع الجهل عن الإنسان يظل أسير برامج ومناهج قد لا تنسجم مع ظروف المكان والزمان، ولا يمكن رفع الجهل دون نشر العلم، فبالعلم تبنى الأمم، وترتفع المجتمعات، وتستقر الدول، وبالتالي لا يمكن تحقيق السلام بالجهل، من هنا يأتي واجب التعلم للعيش بسلام، وقد أكد جلالته على أن استقرار المجتمعات يكون (من خلال مبادئ الإيمان بروح الاحترام المتبادل والمحبة)، احترام الآخر دون النظر إلى الدين والمعتقد والعبادة، ويأتي النموذج البحريني ليؤكد على هذا الأمر، فترى صور التعايش السلمي في العلاقة القائمة بين المسلمين والمسيحيين واليهود والهندوس والبهائية والسيك والبوذا وغيرهم، جميعهم يعيشون في البحرين في محبة ووئام، ويمارسون عباداتهم وشعائرهم وطقوسهم بكل حرية وفق القانون والنظام، وهذ الأمر ذكره جلالة الملك المعظم في إعلان البحرين (نحن نقدم بكل تواضع أسلوب الحياة البحريني التقليدي الذي يعود إلى قرون كمثال لإلهام الآخرين).

أولاً: الإيمان والتعبير الديني

لقد وضع جلالة الملك المعظم مرتكز (الإيمان والتعبير الديني) في سلم إعلان مملكة البحرين، فقد أكد جلالته على مكانة العقيدة والدين في بناء المجتمعات، وأن الدين هو أداة خير للبشرية، فالدين يدعو للمحبة والإخاء والتعاون والعمل المشترك، وأن هذه الحقيقة تدركها كل المجتمعات المتحضرة (أن العقيدة والتعبير الدينيين هما حق أساسي غير قابل للتصرف)، ومع ذلك نرى من يحاول استغلال الدين لمصالح ذاتية أو مذهبية أو حزبية، ولربما يستغل الدين لتأجيج الصراعات ونشر الحقد والكراهية والخلاف، والمؤسف أن نشهد بعض الجماعات وهي تحاول خلق الأزمات في بقع من العالم، وقد أكد جلالة الملك المعظم بأن الأزمات يمكن علاجها بالحوار بين الأديان، الحوار الهادئ الرزين، وقد شهد التاريخ الكثير من تلك المحاولات بين المسلمين وغيرهم من اتباع الأديان والشرائع، وغير ذلك فهو محاولة لزرع بذور الخلاف والشقاق باسم الدين، والدين منها براء! وقد شهدت البحرين الكثير من المؤتمرات المتعلقة بحرية الدين والمعتقد، وهي مؤتمرات تسعى لتعزيز قيم التسامح الديني والتعايش السلمي والسلام والمحبة.

ثانيًا: حرية الاختيار

والمرتكز الثاني هو (حرية الاختيار) فقد أكد جلالته في الإعلان على أهمية حرية الاختيار، فالفرد له حرية التأمل والتفكر ثم الاختيار، ولا يكون ذلك بالقوة والقهر، والدين هو علاقة الفرد مع ربه، لذا ذكر جلالته: (نحن ندرك أن الله يوجهنا لممارسة الهبة الإلهية لحرية الاختيار، وبالتالي فإننا نعلن أن الدين القسري لا يمكن أن يدخل الإنسان في علاقة ذات مغزى مع الله)، فالإنسان مخير بين الخير والشر، بين النافع والضار، فلا يمكن قهر الإنسان على شيء، لذا قال جلالته (إننا نرفض رفضًا قاطعًا التقيد الإجباري)، وما العقيد والعبادة إلا اختيار الفرد بذاته، وهي الحرية الدينية (نعلن أن لكل فرد الحرية في ممارسة شعائره الدينية، بشرط عدم إلحاق الأذى بالآخرين، واحترام قوانين البلاد)، فالفرد هو المسئول عن اختياره.

ثالثًا: إرادة الله

جاء المرتكز الثالث ليؤكد على إرادة الله المطلقة، ورغم الاختلاف بين الأديان في فهم وتفسير معنى (إرادة الله) إلا أن الجميع يرفض استغلال اسمه تعالى لإضفاء الشرعية على العنف ضد الآخرين، (فهو تدنيس لأسمه تعالى، وليس تحقيقًا لإرادته)، وأي عمل بغيض أخلاقياً لا يمكن أن يكون جزءًا من إرادة الله المعلنة، لذا يجب (التبرؤ من ممارسات مثل زرع الإرهاب، وتشجيع التطرف، والتفجيرات الانتحارية، والترويج للعبودية الجنسية، وإساءة معاملة النساء والأطفال)، فإرادة الله تدعونا دائمًا إلى الخير والتعاون والسلام، وهذه هي إرادة الله العليا.

رابعًا: الحقوق والمسؤوليات الدينية

وتأتي الحقوق والمسؤوليات الدينية كمرتكز رابع بإعلان مملكة البحرين، فقد أكد جلالة الملك المعظم على أهمية الحقوق والمسؤوليات الدينية، وهي من مسئوليات السلطة الروحية والزمنية، وتقع على عاتق الحكومات، ومنها (احترام وحماية الأقليات الدينية والأغلبية على حد سواء)، ففي المجتمع المدني الجميع سواسية، وليس المعيار (الأكثرية والأقلية)، فالجميع تحت ظل الدولة والقانون، لذا (لا ينبغي أن يتعرضوا للتهديد أو العار أو التحريض ولا ينبغي التمييز ضدهم بسبب دينهم)، وقد ضرب جلالة الملك المعظم مثالاً رائعًا في ذلك حين قال: (يجب على من هم في مناصب السلطة التأكد من أن الأفراد الذين يغادرون منازلهم إلى دور عبادتهم يمكنهم القيام بذلك دون خوف من الترهيب أو العنف أو ما هو أسوأ)، وهذا ما نشاهده اليوم في البحرين، فجميع أتباع الأديان والمذاهب يمارسون عبادتهم بكل حرية، يذهبون إلى مساجدهم وكنائسهم ومعابدهم دون خوف أو ترهيب، وهذا المسلك الحضاري ليس بجديد على المجتمع البحريني، بل هو من مئات السنين، حيث يعيش الجميع في نسيج اجتماعي جميل، ولكن ما يميز البحرين اليوم أن هناك قوانين وتشريعات تكفل ذلك.

خامسًا: أمل الإيمان

لقد جاء المرتكز الخامس (أمل الإيمان) ضمن إعلان مملكة البحرين ليفتح آفاق الغد المشرق، وقد تعهد جلالة الملك المعظم برعاية الشباب والناشئة (نتعهد بتعليم أطفالنا وإثبات لهم بالقدوة، أنه من خلال القيام بأعمال بسيطة من اللطف والرحمة، فإننا نتصرف بناءً على أمر الله بأننا ندعو لخيره إلى العالم)، وهو اهتمام بالغ الأهمية، فالشباب والناشئة هم عدة المستقبل، وبناء المجتمع يكون بسواعدهم، لذا لابد من التركيز عليهم، وتحصينهم بالعلم النافع المفيد، لذا أمل الإيمان ينطلق ليعزز العلاقة البشرية ويوسع دائرة التعاون بينهم، والبحرين اليوم تشهد هذه التظاهرة الكبيرة من خلال الحوار المباشر بين أتباع الأديان، لذا أختتم جلالته اعلان مملكة البحرين بعبارة: الإيمان ينير طريقنا إلى السلام.


صحيفة الأيام البحرينية

العدد 12489 الأحد 18 يونيو 2023

إرسال تعليق

0 تعليقات