المكتبة العصرية بالمحرق

 


عبدالله بن أحمد الجودر في المكتبة العصرية

بقلم: صلاح الجـودر

هكذا ودون مقدمات رحل عن ساحة الفكر والعلم والأصالة والحداثة والتنوير صاحب أقدم مكتبة بالمحرق (المكتبة العصرية) التي أنشئت في العام 1952م، الحاج عبدالله بن أحمد بن عبدالرحمن الجودر الذي شيع قبل أيام قليلةإلى مثواه الأخير في مقبرة المحرق.

الكثير من أبناء المحرق لا زالوا يذكرون الأيام التي كانت فيها المكتبة العصرية الملاذ الوحيد للباحث عن حاجيات العلم والمعرفة، فقد كانت المكتبة مليئة بالكتب والصحف والمناهج الدراسية والأقلام والملابس والأحذية الرياضة والأوراق الحكومية، فهي مكتبة بحجم مجمع ثقافي كبير يرتاده أهالي المحرق، خاصة أن الكتب المدرسية في تلك الفترة كانت تستورد من مصـر حيث كانت المناهج مصرية، فمن فقد كتاباً أو كراساً أو قلماً فهو يجده في أحدى زوايا المكتبة العصرية، وقد شكلت (مكتبة الجامع والممكتبة الخليفية) والمكتبة العصـرية ومكتبة المحرق العامة ومدرسة الهداية الخليفية آنذاك ثالوثاً علمياً ومعرفياً، فكان جيل الخمسينيات والستينيات جيلاً مثقفاً لما تحتويه تلك الصروح من كتب ثقافية وفكرية.

المتأمل والباحث في تاريخ المكتبة العصرية يجد أنها أنشئت في أصعب فترات الوطن، فترة الخمسينيات، حيث التدخل البريطاني في الشئون الداخلية والعدوان الثلاثي على مصر ومع ذلك استطاعت تلك المكتبة بإمكانياتها المتواضعة من مجاراة متطلبات العصـر باستيراد موادها من مصـر ولبنان والهند، الشـيء البارز في تلك المكتبة هي احتفاظها بتلك اللوحة الزرقاء المعلقة على واجهة المحل والمخطوط عليها (المكتبة العصـرية)، وكذلك الطاولة الزجاجية القديمة التي كان يجلس خلفها الحاج عبدالله الجودر ممسكاً بكتاب أو صحيفة أو أوراق قديمة، وكما أخبرني أبنه (الدكتور أسامة) أن والده كان كثير القراءة والمطالعة منذ الصغر، حيث كانت له طاولة في احدى زوايا بيت والده (أحمد) يقرأ وراجع واجباته الدراسية عليها، ثم أصبحت له طاولة أخرى في نادي البحرين (النهضة سابقاً) حينما كان أميناً للمكتبة قبل أن ينشـئ المكتبة العصـرية.



وسبب تسميتها بالمكتبة العصرية يعود لأمرين، الأول دلالة على العصرنة والحداثة والتنوير، والثاني أنها تفتح في الفترة المسائية (العصـر) حيث كان صاحبها منشغلاً في الفترة الصباحية بعمله ككاتب للعدل في المحاكم الشرعية.

لقد تميزت المكتبة العصـرية بتنوع مادتها، دينية وأدبية وعلمية وثقافية ورياضية، ولم تقيد نفسها بأيدلوجية أو فكر أو توجه واحد، فقد كان صاحبها الحاج عبدالله الجودر بعيداً عن الصـراعات السياسية وتأثيراتها، فالمكتبة لم تكن مكتبة للتأجج الطائفي أو المذهبي، لذا فإن المكتبة العصـرية كانت تحتوي خليطاً من الكتب الدينية والعلمية والفكرية والمحفوظات والموسيقى، وقصص الممثلين وصورهم مثل عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش وصباح وكوكب الشرق ومحمد عبدالوهاب، وكانت مركزاً للمجلات والصحف المصـرية مثل آخر ساعة وروز اليوسف والمصور وغيرها وكانت المكتبة تبيع أقلام (الباركر) وزجاجات الحبر الأسود والأزرق والأحمر والأوراق الحكومية.

لقد تميز صاحب المكتبة العصرية الحاج عبدالله الجودر بعلم الفرائض وكان من القلائل في هذا البحر، وقد ألف كتاباً في الفرائض كان على وشك طباعته ولكن المنية قد عاجلته، وكان جامعاً للوثائق التاريخية القديمة التي سرق جزء كبير منها بعد أن انتقل إلى سكنه الجديد.

بوفاة صاحب المكتبة العصـرية تكون صفحة من صفحات المحرق الفكرية والثقافية قد طويت، فمع أن المكتبة في أيامها الأخيرة لم تكن من أجل الربح ولكن صاحبها ظل وفياً لفكرته ومشروعه الذي أحتضنه لأكثر من خمسين عاماً، يستقبل زواره ورواد مكتبته في الفترة المسائية (العصـر).


المقال نشر بصحيفة الأيام البحرينية عدد 6950 تاريخ 19-4-2008م

إرسال تعليق

0 تعليقات